وإننا لنلاحظ أن عمر - رضي الله عنه - قد توخى العدالة المطلقة في
تحديد خراح السواد، حتى لا يدخل في مال الدولة سحت لا يحل أخذه
فيكون قدوة في ذلك لمن بعده.
يتجلى ذلك في سؤال عمر للدهقانين، كيف كنتم تؤدون إلى الأعاجم
في أرضهم؟ قالوا: سبعة وعشرين درهما، فقال عمر: لا أرضى بهذا منكم،
وحدد على كل جريب قفيزا من شعير أو قفيزا من حنطة، ودرهما واحدا (1).
كما يتجلى في سؤاله لعثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان رسوليه
لتقدير خراح السواد، حين قال لهما: لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق،
فقال عثمان: حملت الأرض أمرا هي له مطيقة ولو شثت لأضعفت أرضي،
وقال حذيفة: وضعت عليها أمرا هي له محتملة، وما فيها كثير فضل، فقال -
رضي الله تعالى عنه -: (أنظرا ألا تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق، أما
لئن بقيت لأرامل العراق لأدعهن لا يحتجن لأحد بعدي) (2).
وكما فعل عمر بسواد العراق عمل في أرض الشام والجزيرة إلا انه لم
يسعفنا أحد من المؤرخين بمساحة أرض الشام، ولا بقيمة الخراج الذي، كان
يحصل منها، حتى أبو يوسف - رحمه الله - لما سأله الرشيد عن خراح الشام
لم يعرف عنه شيئا وارسل إلى شيخ ممن لهم معرفة بذلك فاًفاده عن الجزيرة
ولم يذكر له شيئا عن الشام.
وعلى كل حال لا يستبعد أن يكون المساح هو عثمان بن حنيف أو
حذيفة بن اليمان أو هما معا، حيث لم يذكر المؤرخون مساحين في عهد
عمر غيرهما.
كما لا يستبعد أن يكون المؤرخون سكتوا عن أرض الشام لأنه عمل
فيها بما عمل في أرض العراق، ولكننا كنا ننتظر ان يحدثونا عن المساحة،
وقيمة خراجها.
__________
(1) الخراج ص: 38.
(2) الخراج ص: 37.
161