كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وآما في مصر، فقد قام بمساحة الأرض وتقدير الخراج واليها عمرو ابن
العاص - رضي الله عنه - وقد اعتبر الفدان هو الوحدة التي تفرض عليها
الضريبة، لأنها هي المساحة المستعملة في مصر منذ عهد القبط (1).
ولقد راعى في جباية الأموال حالة النيل من حيث النقص والزيادة، مما
اضطره لأن يؤجل دفع الخراج أحيانا، وترك عمرو لأهل القرى الحرية في
تحديد خراجهم، كما أباج لهم أن يحجزوا بعفالمال لتعمير كناتسهم. . .
وكانت هناك ضرايب عينية تفرض على ما تغله الأرض (2).
وكانت الضريبة العينية على كل فدان مزروع حبا نصف أردب من
القمح ويلث أردب من الشعير أو عشر كيلات من الحبوب، أما الثمار كالعنب
والنخل، فلم تحدد لها ضريبة، ولعل ذلك لأن مساحة الأرض المزروعة من
هذه الأنواع كانت قليلة ومتفرقة (3).
ولقد رأينا موقف أمير المؤمنين - عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من
أرض الخراج وكأنه موقف المستبد برأيه، هكذا يفهمه بعفالمؤرخين فيرون
أنه ليس للخليفة أن يلتزم برأى مجلس الشورى إذا رأى هو رأيا آخر.
وإني أرى أن هذا الفهم تنقصه الدقة، ويعوزه التمحيص، إذ لو كان
عمر مستبدا برأيه لما شاور ابتداء، ولو استشار ليقال إنه استشار لاكتفى برأي
المجلس الأول الذي خالفه فيه واحد هو عبد الرحمن بن عوف، ووافقه فيه
أربعة هم عثمان وطلحة وعلي وابن عمر (4).
ولكن الخليفة شكل مجلسا اخر من الأنصار ليأخذ رأيهم كما أخذ رأي
المهاجرين، وشرح لهم وجهة نظره والى عليهم ألا يجاملوه، بل يقولوا بما
يرونه موافقا لما في كتاب الله فوافقه المجلس بالإجماع، وقالوا: الرأى
__________
(1) النظام المالي المقارن ص: 41.
(2) زعماء الاسلام ص: 133.
(3) النظام المالي المقارن ص: 41.
(4) الخراج ص: 25.
162

الصفحة 162