وظل الحال على ذلك في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق - رضي
الله عنه - إلا أن أغلب الجزية كان يحصل نقدا، لأن البلاد التي فتحت في
عهده كانت العملة النقدية متوفرة عندهم (1).
وفي عهد عمر - رضي الله عنه - أدخل تعديلات كثيرة على نظام
الجزية مراعيا في ذلك مصلحة الدولة الإسلامية، وظروف من وجبت عليهم
الجزية، فقد كانت البلاد التي تم فتحها في عهد عمر بلاد غنية ذاخرة
بالأموال الثابتة والمنقولة، وبها التجار والصناع والزراع.
فرأى عمر أن زيادة الجزية لا يضر بمن وجبت عليهم، وبخاصة إذا
روعي فيها أوضاعهم الاقتصادية، كما رأى أن الدولة الإسلامية تتر! ل كثيرا
من نفقات الجند وتكاليف المشاريع التي تنعش الدولة وتتلاءم مع أهضتها.
ففرض على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق - الفضية-
أربعين درهما عن كل رجل قادر على العمل يدفعه في كل عام.
ثم وجد عمر أن الناس متفاوتون في الثراء، فربط الجزية على حسب
الحالة الظاهرة للناس. فمن كان ظاهر الغنى فرض عليه ثمانية وأربعين
درهما، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهما وعلى العامل بيده إيني عشر
درهما، وتخفيفا على الناس قبل منهم الأغراض كالدواب والمتاع وغير ذلك
ما عدا ما كان محرما كالخمر والخنزير وكان علي بن أبي طالب يأخذ منهم
الإبر والمال في جزيتهم (2).
ولما كانت الجزية واجبة على الرجال القادرين، فإنها لم تحصل من
النساء والصبيان والشيوخ العاجزين ولم تحصل كذلك من المترهبين الذين
يتصدق عليهم ولا من الفقراء الذين يتصدق عليهم (3).
وإذا أعسر أهل الذمة لا يعذبون ليدفعوا الجزية بل يرفق بهم، ولا
__________
(1) النظام المالي المقارن ص: 25.
(2) الخراج ص: 126.
(3) نفسه.
164