كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

إسلام قومهم، كما فعل سادة مكة حين صدوا المستضعفين عن الدخول في
الإسلام، وليس أدل على ذلك من موقف أبي الحيسر أنس بن رافع، فإنه قد
ذهب إلى مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون
الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، ولما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ذهب إليهم وكلمهم وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن. فقال إياس
ابن معاذ: أي قوم هذا والله خير مما جئتم له، عندئذ أخذ أبو الحيسر أنس ابن
رافع حفنة من تراب البطحاء، فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا
منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا (1).
هذا موقف لأحد زعماء الأوس، أعرض فيه عن الإسلام، ولا شك أن
غيره لن يكون أقل منه صدودا واعراضا، لأنهم كانوا يريدون المحافظة على
مراكزهم ال! ادية، ويرفضون أن ينازعهم فيها أحد.
وموقف اخر لزعيم من زعماء الخزرج - غبد الله بن أبي بن سلول -
يحرض قومه على طرد المسلمين من المدينة بقوله: هذا ما فعلتم بأنفسكم
أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما
بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.
ولما بلغ ذلك الرسول -! شبر - غضب، ومشى بالقوم في وقت ليس من
عادته أن يسير فيه، فكلمه أسيد بن حضير في ذلك، فقص عليه ما قال ابن
أبي، فقال أسيد، يا رسول الله، أرفق به، فوالله فقد جاءنا الله بك وأن قومه
لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا (2).
لقد قضت حرب بعاث على هؤلاء الزعماء من الفريقين ولم يبق منهم
إلا الطبقة الثانية، وكانت قد أصطلت بنار الحرب وعاشت ويلاتها حتى إنهم
ليفكرون في الانتظام تحت كلمة رجل منهم، ولم يكن هناك غير عبدالله ابن
أبي، وقد عزموا على أن يتوجوه، ويجتمعوا عليه.
__________
(1) ابن هشام (م /427/ 1 - 428).
(2) ابن هشام (م /291/ 2) /292).
17

الصفحة 17