هذه هي موارد الدولة الإسلامية من المال، والذي يظهر من تتبع أخبار
الدولة الاقتصادية أن المسلمين بدأوا حياتهم في دولتهم الأولى في شظف من
العيش وخشونة من اللباس وحاجة ماسة إلى الضوورات الأولية، ولعل هذا
هو الذي دفع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم المسجد بيتا ونزلا، وبنى فيه
الصفة التي كان يأوى إليها المعدمون من المسلمين.
ولقد بلغت الحاجة بالمسلمين أن كان الرسول يوزع الفقراء على كل
من عنده طعام في بيته، ولم يأمرهم أن يحضروا الطعام إلى المسجد ليأكل
الفقراء، لأن ما عندهم لا يكفي أن يحضروا منه ويبقى منه ما يأكلون وليحفظ
على المسلمين حياءهم باستضافتهم في بيوت إخوانهم، فكان - صلى الله عليه وسلم -،
يقول: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة
فليذهب بخامس أو سادس " (1).
وظلت الأوضاع كذلك بالنسبة للمسلمين، وهذا أمر طبيعي عند تأسيس
الدول الناشثة وبخاصة في مثل الظروف التي نشأت فيها دولة الإسلام، فإنها
قامت، وكل جيرانها أعداء لها، فلم يوجد لها من الأصدقاء من يقدم لها
العون، ويمحضها الحب.
وسارت الأوضاع الاقتصادية في الدولة الناشئة بخطوات وئيدة،
واستطاع المسلمون بإيمانهم الصبر على محنة الجوع، والتغلب على لأواء
الفقر، وأخذت الأوضاع في التحسن شيئا فشيئا، وبخاصة بعدما بدأ
المسلمون معاركهم العسكرية مع أعدائهم، وأصابوا من الغنائم والفيء ما
وسع الله به عليهم كما سنعرفه عند الكلام على أثر الحرب في اقتصاد
المسلمين.
وفي آخر حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كثرت الأموال في أيدي المسلمين حتى
قال الرسول: "إني لا أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى أن تفتح عليكم
الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم " (2).
__________
(1) البخاري (587/ 6).
(2) متفق عليه والحديث مروي بالمعنى.
170