كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وبلغ الاقتصاد الإسلامي ذروته في عهد أمير المؤمنين - عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه. ولكن أحدا لا يستطيع أن يقول أن الاقتصاد
الإسلامي في الدولة الأولى سار في طريق ممهد ولم تصادفه عقبات، حتى
بعد أن استقر، لأن ذلك ليس هو الطريق الطبيعي فلا بد من العقبات، ولا بد
للدولة من وضع الحلول لتذليل تلك العقبات، وهنا تظهر عبقرية الحكام
وحسن إدارتهم ومعالجتهم للمشكلات.
والدول الإسلامية صادفت في طريقها عقبات كثيرة في عهد الرسول
وصاحبيه والذي يدهشنا أننا نجد على الفور الحلول التي تقضي على
العقبات قبل أن تستفحل ويزداد خطرها.
فقد جاء في صحيح البخاري أن المسلمين نزلت بهم نازلة - أي
مجاعة - وأن الرسول عالجها بأن منع المسلمين أن يدخروا لحوم الأضاحي
فوق ثلاثة أيام، وأمرهم بتوزيعها على المحتاجين (1).
كما تدل الأحاديث على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعالج تلك الطوارىء بمثل
قوله: "أيما أهل عرضة أصبح فيهم أمروء جائعا، فقد برئت منهم ذمة الله
تبارك وتعالى " (2).
وكان يأمر المسلمين بأن يتصدق كل ذي فضل بفضله، فيقول: (من
كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد
فليعد به على من لا زاد له).
يقول أبو سعيد راوي الحديث: فذكر رسول الله من أصناف المال ما
ذكره، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل (3).
وقد حدثت أزمات شديدة في عهد الخليفة عمر، وكان من أشدها عام
المجاعة في السنة الثانية عشرة، وفيها كتب عمر إلى الولاة في الشام وفي
__________
(1) البخاري (5 1/ 4 2).
(2) رواه أحمد في المسند.
(3) مختصر صحيح مسلم (43/ 2).
171

الصفحة 171