البر كالطيب والبخور والحرير وبضائع الهند وعمان وظفار وغيرها (1).
واتسعت تبعا لذلك الحركة التجارية، وبدأت الدولة تفرض الضرائب
على التجار الذين يمرون في أرضها كما ذكرنا ذلك من قبل، وهكذا كانت
تلك الفتوحات من أعظم عوامل التنمية الاقتصادية في الدولة الإسلامية.
وكما كانت هذه الفتوحات بابا عظيما من أبواب الرزق للمسلمين كانت
أيضا سلاحا رهيبا استعمله المسلمون ضد المكيين حين حاصروهم اقتصاديا
بمنع وصول الحبوب إليهم والتي كانت تأتيهم من اليمامة فيقتاتون بها، وذلك
حين أسلم تمامة بن أتال الحنفي، ثم ذهب إلى مكة معتمرا.
فلما راه أهل مكة قالوا له: أصبوت يا تمام؟ قال: لا، ولكني اتبعت
خير دين، دين محمد ولا والله لا تصلكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما عاد إلى اليمامة منعهم أن يحملوأ إلى مكة شيئا.
أحس أهل مكة بضيق الحصار، واشتد عليهم الأمر، وكاد أبناوهم
يموتون من الجوع، وفكروا في الأمر مليا، فلم يجدوا بدا من استرحام
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتبوا إليه: إنك تأمر بصلة الرحم، وقد قطعت أرحامنا،
فقتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، وذكروا له الحصار الذي ضربه تمامة
عليهم.
عندئذ كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثمامة، وأمره أن يخلي بينهم،
وبين حمل ما يحتاجون إليه من حبوب اليمامة وثمارها ففعل (2).
إذن لقد أصبح الاقتصاد الاسلامي قويا إلى درجة أنهم كانوا يهددون به
مكة وهم جالسون في بلدهم، وكما أصبحت مصادر التموين كلها في
الجزيرة تحت سلطاتهم من الطائف جنوبا إلى هجر وخيبر وتيماء شمالأ،
أصبحت الموارد الخارجية التي تغذي الجزترة لا تمر إلا بإذنهم وتحت
حمايتهم.
__________
(1) فجر الاسلام ص: 12، 13.
(2) ابن هشام (4/ 210).
176