كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بين هنا أن الثروة يجب أن تنتقل من أيدي
الأغنياء إلى أيدي الفقراء، ولا يصح أن تبقى في يد واحدة تنعم وتنفق
وتستمتع بطيبات الحياة والعديد من المسلمين يبحثون عن لقمة العيش دون
أن يعرفوا إليها سبيلا، ويكدحون في سبيل الحصول على الضروريات ولم
يجدوا لها طريقا.
لم يكن الإسلام ليغفل تلك الثروات الطائلة تبقى في أيدي حفنة من
الناس من غير أن يضع لها تشريعات توزعها على أكبر عدد ممكن مع مراعاة
العدالة في التوزيع حتى يمتد نفعها ويعم خيرا.
والاسلام في ذلك يخالف التشريعات التي اتخذتها الدول لتحافظ على
الثروات، فإن هذه التشريعات يقضي بأن الثروة التي اجتمعت مرة من حقها
أن تبقى مجتمعة على تعاقب الأجيال، أما الإسلام فقد جاء بقانون جامع،
يقضي بأن المال الذي جمعه رجل في حياته يوزع بين عشيرته الأقربين بعد
وفاته على الفور (1).
كان هذا القانون هو قانون الإرث الذي لا يسمح بأن تبقى الأموال دولة
بين أيدي قلة من الناس بل يجب أن توزع وتنتشر في الأجيال المتعاقبة.
نحن نلاحظ في الحديث السابق أن الرسول بين للرجل كيف ينفق
ماله، فذكر له العديد من المصارف، وبدأها بالزكاة وتنى بصلة الأقارب،
وحث على أداء حق الجار والسائل والمسكين. وفي هذا توزيع للثروة وبث
لها في جهات متعددة ومختلفة حتى تنتشر بين أكبر عدد ممكن من الناس،
وذلك في حياة صاحب الثروة وعلى عينه، فإذا فارق ذلك الثرى الحياة، وترك
ثروته لم تكن تلك الثورة حجرا على أكبر الأولاد، ولو كان أنثى كما في
بعض البلاد، ولم تكن الرجال أحق بها من النساء والأولاد الصغار كما كان
الأمر في الجاهلية (2).
__________
(1) نظام الحياة ص: 70.
(2) في ظلال القرآن (م /1 جـ 4/ 586).
178

الصفحة 178