كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وبالقضاء على هؤلاء الزعماء، تمهد الطريق للإسلام، وبتبرم النفوس
من حياة الحرب والخوف والقلق، وبتطلعها إلى حياة امنة مستقرة، كان كل
شيء قد تهيأ ليستقبل الإسلام.
د - الإيمان العميق في قلوب المهاجرين:
لقد هاجر المسلمون من مكة وقلوبهم مملوءة باليقين بوعد الله لهم،
وكانت المحنة التي يعيشون فيها تضاعف الإيمان في قلوبهم، لأنهم يعلمون
أن هذا الطريق لا يمكن أن يكون ممهدا سهلا، فحياة الأنبياء كلها مشقات،
وحياة المصلحين كلها عقبات، وما داموا قد عزموا على السير في مثل
طريقهم، فلا بد لهم أن يتحملوا مثل تحملهم حتى تكون العاقبة لهم، بهذا
الإيمان العميق هاجر المسلمون من مكة، وبهذه العقيدة الراسخة توجهوا إلى
المدينة، وكانت الأوضاع هناك قد تهيأت لقبول الدين الذي حمله إليهم
المهاجرون.
إن الإيمان العميق والعقيدة الراسخة، يجعلان صاحبهما أقدر على
تحمل التبعات، والنهوض بأعباء الرسالة التي امن بها، إنهم بالإيمان صبروا
على أذى المشركين في مكة، وبالإيمان شقوا طريقهم في المدينة وتحملوا
لأواءها حتى قامت على أكتافهم أمة الإسلام.
هذه الأسباب التي ذكرتها هي العوامل الرئيسية لنجاح الدعوة الإسلامية
في المدينة المنؤرة، وإننا نستطيع أن نعتبرها أدلة على صدق الدعوة التي جاء
بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا فما الذي دعا اليهود- وهم ألد أعداء الإسلام -
ليمهدوا هذا التمهيد لدعوة الرسول، وما الذي دعا العرب ليسارعوا إلى
الإيمان بالرسول، وقد كانوا أشد حرصا على أصنامهم منهم على أنفسهم،
ثم يكون قتل الزعماء، وحياة الرعب والفزع التي عانوا منها حتى يلتمسوا
الأمن، ويطلبوا السلام، فلا يجدون منهما شيئا إلا على يدي الرسول
الكريم - صلى الله عليه وسلم - وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجا.
18

الصفحة 18