كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

واما الرأي الثانى: فإن جودت باشا الوزير التركي قد نقد هذا القول
ورده بقوله: ثبت نقلا أن حضرة عمر لم يضرب سكة باسمه، والروية
المذكورة يحتمل أن تكون غلطا حصل من السكة التي ضبها أحد الأتراك
بطبرستان المسمى عمر على المنوال السابق فالظاهر أن تاريخها المكتوب
بالخط البهلوي لم يتمكنوا من قراءته، وأسندت إلى حضرة عمر عندما قرىء
اسم عمر (1).
وإننا لنلاحظ في كلام الأستاذ النقشبندي أن عمر ضرب السكة وأثبت
فيها صورة الأمبراطور البيزنطي وهذا مما يوهن الرواية لأن الإسلام قد حرم
الصور ولعن المصورين، ولم يكن لدمر أن يجهل ذلك الحكم فيثبت صورة
الأمبراطور على السكة التي ضربها وقد كان يستطيع أن يضربها بغير صورة.
وأما الثالث: فإنه رأي تفرد به صاحب وفيات الأسلاف، ولم يذكره
غيره من مشاهير المؤرخين، وحتى هو كأنه لم يطمثن إلى هذا الرأي فقال
بعد ذلك: وقيل: أول من ضرب النقود مصعب بن الزبير سنة سبعين بأمر
أخيه عبد الله (2).
والذي يظهر لي من تردد صاحب الوفيات وعدم استقراره على رأى أنه
نقل ذلك عن سماع ولم ير بنفسه، وإلا لو ثبت له أن عثمان ضرب سكته سنة
ثمان وعشرين لما استساغ أن يذكر القول الآخر ولنفاه نفيا قاطعا، لأن عثمان
تولى أمر المسلمين قبل ابن الزبير بحوالي أربعين عاما تقريبا.
وأما الرأي الرابع والأخير فإن النفس لم تطمئن إليه لسببين:
الأول: إن الذي أحضر تلك السكة رجل إيراني ومن المحتمل جدا أن
يكون من شيعة علي وأراد أن يثبت له شيئا لم يفعله من سبقه ليزيد
بذلك في فخامة عهده وعلو شأنه وابتكاره من الأمور النافعة ما لم
يستطعه غيره.
__________
(1) التراتيب الإدارية (421/ 1).
(2) نفسه ص: 420.
184

الصفحة 184