والذي يظهر أن مقدار هذه الموازين كان يختلف من حالة إلى أخرى،
فبينما نرى قوما يجعلون المثقال أربعة وعشرين قيراطا نرى اخرين يجعلونه
اثنين وعشرين قيراطا إلا كسرا.
ويذكر صاحب القاموس أن النواة وزن ثلاتة دراهم، في حين يذكر
البلاذري أنها وزن خمسة دراهم، ناهيك عما جاء في وزن القنطار من الخلاف.
ومهما كان اختلاف الناس في مقدار هذه الموازين فإنها كانت معلومة متداولة
بين العرب قبل الإسلام وأقرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون من بعده -
رضي الله عنهم - وأبقوها على ما كانت عليه على نحو ما ذكرته من قبل.
ويذكر أبو هلال العسكري أن أول من وضع الموازين في الإسلام رجل
يهودي يسمى سمير، كان قد ضرب دراهم في عهد الحجاح، وهدده الحجاح
بالقتل لاجترائه على ضرب الدراهم، فعرض عليه سمير أن يقدم له عملا هو
أنفع للمسلمين من قتله فإن أعجبه قبله وأعفاه من القتل، وإلا قتله، فأمهله
الحجاح، فوضع الأوزان: وزن ألف وخمسمائة وتلاثماتة إلى وزن ربع
قيراط، وجعلها حديدا ونقشها، وقال للحجاح: هذا أنفع للمسلمين لا يغبن
أحد معها (1).
ولعل أبا هلال يقصد بذلك وزن الكيلو لأنه لم يكن معروفا عند العرب
من قبل. لم يرفض الإسلام إذا كل قديم، ولم يدع إلى نبذ كل ما لم يأت
به، ولكنه كان ينظر في الأمور على ضوء المصلحة، ويقرر منها ما تتحقق به
المنفعة للناس، ولو كان من عمل أو تفكير عدو الإسلام ذلك لأن رائد
التشريع الإسلامي هو تحقيق المنفعة، وجلب الصمحلحة، وحيث وجدتا فتم
شرع الله.
المعاملات في الإسلام
اهتم الإسلام بالمعاملات اهتماما كبيرا، لأنها عصب الحياة، ولأنها
__________
(1) الأوائل ص: 206.
191