هي المحك الذي يكشف عن معدن الإنسان، ويظهر زيفه من جيده، وخبيثه
من طيبه، وإن كلمة الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لتعبر عن
هذا المعنى أصدق تعبير حين يقول: الصلاة عادة، والصوم جلادة، والدين
المعاملة، كما أن كلمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما
قال للرجل الذي جاء يعرف رجلا: أعاملته بالدرهم والدينار لتعرف مظهره من
مخبره لتقرر ذلك المعنى وتؤكده.
لذلك فإن القرآن الكريم تناول أنواع المعاملات على اختلافها باهتمام
بالغ، وفصل فيها تفصيلات دقيقة، لم يفصلها في العبادات التي هي أعظم
القرب إلى الله - عز وجل - وإنك لتلمس ذلك واضحا حين تقرأ اية الدين، أو
تتلو ايات الربا، فإنك حينثذ تجد الفرق واضحا بين آية تأمر بالصلاة والزكاة،
وبين آية تفصل لك أحكام الدين وما يجب عليك من الكتابة والشهود وحضور
الولي عن السفيه والضعيف، وتحذير الشهود من الإنكار، وتحديد أجل
الدين، والتساهل عندما تكون التجارة حضارة متداولة، والنهي عن الاضرار
بالكاتب والشاهد، ووضع الرهن موضع الكتابة عند عدم الكتابة، إلى غير
ذلك من الأمور الهامة التي وضحتها الايات.
وإنك لترى بعد ذلك كتب السنة قد أفردت قسما كبيرا للمعاملات،
وبينت أنواع البيع وما يجوز منها وما لا يجوز، وتناولت أحكام الزراعة، وما أقره
الإسلام وما حرمه، وتكلمت عن الصرافة، ومتى تكون جائزة ومتى تكون
محرمة، وعقدت كتبا خاصة بالسلم وهو: بيع شيء موصوف في الذمة تسلم
فيه القيمة عاجلا، وتؤجل المبيع، والشفعة والإجارة، والحوالة والكفالة
والوكالة، وعقدت فصولا للقرض والحجر والإفلاس والرهن والشركات،
وبعد ذلك كله حافظت على أموال اليتامى والقصر، وحرمت ضياع الأموال
وإتلافها.
ثم يأتي دور الفقهاء وما صنفوه من كتب تناولت كل هذه الموضوعات
بتفصيل دقيق، وفرعت عليها فروعا تناولت مصالح الناس، وعالجت
مشكلاتهم، وصححت الأوضاع الفاسدة التي حطمت الاقتصاد، وافترضوا
192