فروضا فوق طاقة العقل البشري في زمانهم ووضعوا لها الحلول اللازمة مما
جعل الفقه الإسلامي مصدرا ثرئا للتشريع في ذلك الباب الذي لم يسبقه إليه
تشريع في جودته ورصانته.
وبهذا يكون الإسلام قد وضع قواعد جديدة للمعاملات فاًقر من
معاملات الجاهلية ما لا يعرض أوضاع الناس الاقتصادية للأخطار، وأدخل
نظماً لم تكن معروفة من قبل، وحرم أنواعا كان الناس يتعاملون بها، وكانت
تتعرض أموالهم لأفدح الخسائر بسببها.
حرم الإسلام الربا لأنه ياكل أموال الفقراء، ويعطل عندهم قوة الشراء،
ويورث الهموم والأحزان فلا يكأد الفقير المستدين بالربا يجد ساعة يرتاح فيها
قلبه، وينشرح فيها صدره، فهو لهذا لا يستطيع أن ينتج شيئا من مطاردة
الهموم والأحزان له، فيقل بذلك الإنتاج، وتخسر الدولة طاقة هائلة قضى
عليها الربا، وعطلتها الفوائد الفاحشة، يقول الأستاذ المودودي: (هذه هي
الآفة الشاملة التي ترزح تحتها اليوم الأغلبية العظمى من الطبقات الفقيرة
والمتوسطة في كل قطر من أقطار العالم، وهي تمكن الرأسمالي من الجزء
العظيم من دخل العمال القليلي المعاس، وتجعله مستبدا به دونهم حتى أنهم
لا يكادون يجدون من رواتبهم ومشاهراتهم التي ينالونها بعرق جبينهم،
ووصل ليلهم بنهارهم ما يقيمون به أودهم، لأن المرابي يضع يده على
معظمها قبل) (1).
ومن أجل هذا حرم الله الربا تحريماً جازما لا تبيحه ضرورة، ولا تحله
فاقة. قال - تعالى -: " ذلك بانهم قالوا: إنما البيع مثل الربا، وأحل الله
البيع، وحرم الربا " (2).
ومن أجل هذا أيضا أعلن الله - عز وجل - الحرب على الذين لا
يكفون عن التعامل به " يا أيها الذين امنوا اتقوا الله، وذروا ما بقي من الربا
__________
(1) الرياض: 8 5.
(2) البقرة: 5 7 2.
193