كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وماذا يكون حال مجتمع قام على العداوة والبغضاء، وأكلت الأحقاد
قلوب أفراده فغدوا كالأشلاء؟. لا شك أنه يكون مجتمعا منهارا، ممزقا
مختلفا، فلا يقوى على مواجهة العدو، ولا يجرو على صد العدوان، وهكذا
تضيع هيبة الأمة، وتنكسر شوكتها بسبب الرشوة، ولهذا لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
الراشي والمرتشي والرائش (1).
وكما حرم الإسلام الرشوة حرم الغش، لأنه نوع من الخداع لا يليق
بالمؤمن، وختل لا يتسق وصراحة الإيمان ثم هو أكل للأموال بالباطل،
فكيف تستحل مالا لم تقابله بعوض صريح؟ وكيف يكون حال من كششت
عندما يتضح له الأمر، وتعلم أنه وضع ماله في غير محله؟ وقد يكون صاحب
المال لا يملك غيره، فاًنى له بمال يشتري به ما يريد؟؟.
لهذا كله حرم الإسلام الغش في المعاملة. مر رسول الله - جمح - في
سوق المسلمين، فرأى رجلا يبيع طعاما، فوضع يده في الطعام، فأصابت
يده رطوبة، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟.
قال الرجل: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام
كي يراه الناس، من غش فليس مني (2).
هكذا يعلن الرسول براءته ممن غش، وهكذا جاءت كلمة غش مطلقة
لكي تكون عامة تشمل الغش في البيع والغش في الصنعة، والغش في
القول، ولتشمل غش المسلمين وغير المسلمين.
وبتحريم هذه الأشياء التي كان العرب يتعاملون بها، وضع الإسلام
قواعد جديدة يصون بها المال ويحمي الثروة من الضياع.
وأصبح التعامل بين الناس في ظل الدولة الإسلامية واضحا، لا ربا،
ولا احتكار لا رشوة ولا غش، ولا تضييق ولا إرهاق.
__________
(1) أحمد في المسند.
(2) مختصر صحيح مسلم (11/ 2).
195

الصفحة 195