ولقد فهم المسلمون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه المعاني، فحافظوا على
أموالهم، واتخذوها ذريعة لإرضاء ربهم، ووسيلة لتقوتة اقتصادهم، فكان
منهم الزراع المهرة، استثمروا الأرض واستغلوا خيراتها، وجلبوا البذور التي
لم تكن معهودة الزراعة في بلادهم، فزرعوها وأثمرت الأرض واتت أكلها،
يقول ابن سعد عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -: إنه أول من زرع
القمح بالمدينة، وكان يزرع على عشرين ناضحا (1).
وكان منهم التجار الناجحون في تجارتهم، فكانت قوافلهم تجوب
البلاد، وتحمل ألوان التجارة المختلفة، حتى كانت القافلة تقدر بعشرات
الآلاف من الدينارات، وقد اشتهر من هؤلاء عثمان بن عفان، وعبد الرحمن
بن عوف، والزبير بن العوام.
فاما عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقد جمع مالا كثيرا من اشتغاله
بالتجارة كأشراف مكة (2) وربما كان - رضي الله عنه - يجهز عيره للتجارة
فيدعو داعي الجهاد، فيتبرع بالقافلة وما فيها، يقول صاحب مختصر السيرة:
وكان عشمان قد جهز عيرا للشام، فقال: يا رسول الله، هذه مائتا بعيرة باقتابها
وأحلاسها ومائتا أوقية (3).
ويروي ابن هشام أنه - رضي الله عنه - أنفق ألف دينار على جيش
العسرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أرض عن عثمان فإني عنه
راض (4).
وأما عبد الرحمن بن عوف فقد جمع من تجارته الواسعة مالا كثيرا،
فابتنى داره ووسعها، وكان على مربطه مائة فرس، وله ألف بعير، وعشرة
آلاف من الغنم، وكان يشطر ماله، ويتصدق به، وقد بلغت صدقته مرة
أربعين ألف دينار، وقد حمل ماله على خمسمائة فرس، وخمسمائة راحلة،
__________
(1) الطبقات الكبرى (222/ 3).
(2) زعماء الاسلام ص: 41.
(3) مختصر سيرة الرسول ص: 391.
(4) السيرة النبوية (119/ 4).
197