كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

دون أخيه لأمه وأبيه، وكانت هذه الأخوة من أعظم عوامل توحيد المجتمع
كله، حيث كان الأب الذي ينتسب إليه الجميع هو الإسلام، فكان الناس
جميعا في هذه الأمة أخوة لأب واحد، ولهذا امتن الله - عز وجل - عليهم
بتلك النعمة، وذكرهم بها لما بدا شيء من ا. لعداوة يتحرك بينهم، فقال -
سبحانه -: " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم،
فأصبحتم بنعمته أخوانا " (1).
المحبة:
لم يكتف الإسلام بإعلان أخوة المسلمين، ولم يرض رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - بالأخوة وحدها رباطا يشد به قلوب المؤمنين، فقد تكون مع الأخوة
عداوة وبغضاء، وكثيرا ما يتخاصم الأخوان، ويتقاتلان، فكان لا بد من إيجاد
علاقة تكون أساسا لتلك الأخوة.
وكانت المحبة هي هذا الأساس وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينميها في
نفوس المسلمين، ويركزها في قلوبهم، فيقول: "ما تحاب اثنان في الذ
- تعالى - إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه " (2) وبهذا يتنافس المؤمنون في
المحبة، ويحاول كل رجل منهم أن يكون أكثر حبا لأخيه، حتى يحوز ذلك
الفضل العظيم، ثم يجعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - تلك المحبة قاتمة على أساس
متين، لا تزول الدوافع إليها فتذبل، ولا تقل فتضعف، لهذا لم يكن سبب
تلك المحبة ماديا، بل كان روحيا يرتبط بالعقيدة.
هذا الحب يجب أن يكون في الله حتى لا ينقطع، (وأن يحب المرء لا
يحبه إلا لله) (3) وهذه المحبة هي سبب عظيم من أسباب النجاة من أهوال يوم
القيامة، فيخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن هناك أناسا سيشملهم الله - عز وجل-
برعايته ويظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ويذكر فيهم (رجلان
تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه) (4).
__________
(1) آل عمران: 103.
(2) البخاري في الأدب المفرد.
(3) متفق عليه.
(4) مسلم.
20

الصفحة 20