بمنزلته في المجتمع الذى ينشأ فيه، فيشب سويا غير منطو ولا معقد، بعكس
الذين ينشأون في الملاجىء من حيث يشعرون بغربتهم في المجتمع.
ولم يكتف الإسلام بأن تكون تلك العطايا دخلا فرديا يتزود به كل
إنسان ويكون وسيلة العيش بل شجع على العمل والاحتراف بمثل قوله - عليه
الصلاة والسلام -: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده
وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" (1).
هكذا كان - صلى الله عليه وسلم - يحث على العمل، ويدعوا المسلمين إليه حتى لا
يكونوا عالة على احد، أو يتكففوا الناس، والحديث يوضح أن خير الطعام ما
يأكله الإنسان بكده وجده، وعرقه وجهده، لا ذلك الذي يتسوله تسولا.
ولقد كان رسول الله يهيىء العمل بنفسه للقادرين عليه، ويحذرهم من
المسألة، لأنها مهدرة للكرامة، مذلة للرجال. روى أبو داود والترمذي أن
رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأل شيئا من المال، وهو قوي معافى،
فقال له الرسول: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط
بعضه، وقعب نشرب فيه الماء (2)، فقال الرسول: اتتني بهما، فأتاه بهما،
فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا
آخذهما بدرهم، قال رسول الله: "من يزيد على الدرهم؟ " - قال ذلك مرتين
أو ثلاثا - قال رجل: أنا اخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه.
وأخذ رسول الله الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال له: اشتر
بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فائتني به، فأتاه،
فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودا بيده، تم قال: اذهب فاحتطب، ولا أرينك
خمسة عشر يوما، ففعل ...
فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها توبا، وببعضها طعاما،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا خير من أن تجيء والمسألة نكتة في وجهك يوم
__________
(1) رواه أحمد والبخاري.
(2) الحلس: الكساء الغليظ، والقعب وعاء الشرب.
2 5 2