كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لذي يلاث، لذي فقر مدقع، أو لذي غرم
مفظع، أو لذي دم موجع (1).
والرسول بذلك يدل المسلمين على باب من أبواب الكرامة، يحفظ
عليهم ماء وجوههم ويرشدهم إلى مظان الكسب الحلال الطيب، فينمو
دخلهم، وتزداد ثرواتهم ويستغنون عن سوء غلال الناس وقد رأينا أن الرجل
بدأ حياته العملية بدرهم واحد، وقد عاد بعد خمسة عشر يوما بعشرة دراهم.
والحديث يرشد إلى الاحتراف والمكسب من عمل اليد، لأنه أكد في
حل الكسب، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "أطيب الكسب عمل الرجل بيده " (2) وفي
رواية (أطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) (3) والزيادة في
الحديث تدل على باب اخر عظيم من أبواب الرزق، وهو التجارة ما لم
يخالطها غش أو احتكار.
وبهذا يكون الإسلام قد وظف كفاءات في العمل المجدي، وقضى
على البطالة التي تعاني منها كثير من المجتمعات، ويكون قد وضع ركائز
العمل بين المسلمين، فيكون لهم دخلهم الفردي المستقر المعتمد على
جهدهم وعرق جبينهم، لا على ما منحتهم الدولة من العطايا، حتى إذا ما قل
دخل الدولة أو زادت نفقاتها، وأصبحت غير قادرة على تمويل أفرادها، كان
لكل فرد من أبناثها مورده الشخصي الذي يكسب منه رزقه ويعتمد عليه في
معاشه، بل يكون هذا المورد الشخصي عونا للدولة عند حاجتها إلى
التموتل، يمدها بما تحتاح إليه، ويقف وراءها مؤيدا وعضدا، فتجد في
أبنائها نعم العون والمدد.
ومن أجل هذا كان عمر - رضي الله عنه - يعتب على الصحابة في
__________
(1) النكتة: العلامة، الفقر المدقع: الثديد، الغرم المفظع: الدين الكثير، الدم الموجع: هو
الرجل يتحمل دية قريبه فإذا لم يدفعها قتل قريبه فيتوجع لقتله.
(2) رواه أحمد والحاكم.
(3) رواه أحمد والحاكم والطبراني.
203

الصفحة 203