تركهم الإتجار والعمل فقد روى أنه دخل السوق في خلافته، فلم ير فيه في
الغالب إلا النبط، فاغتم لذلك، فلما اجتمع الناس عذلهم في تلك السوق.
فقالوا: إن الله أغنانا عن السوق بما فتح به علينا، فقال - رضي الله
عنه -: والله لئن فعلتم ليحتاح رجالكم إلى رجالهم، ونساؤكم إلى
نسائهم (1).
وكان - رضي الله عنه - يعظم الحرفة، ويكبر أهلها، ويأمر المسلمين
بتعلمها بقوله: "تعلموا المهنة، فإنه يوشك أن يحتاح أحدكم إلى مهنة " (2).
وكان إذا رأى غلاما فاًعجبه سأل، هل له حرفة؟ فإن قيل لا، قال:
سقط من عيني (3).
سوق المدينة
كان سوق بني قينقاع الذي يقام عند جسر بطحان من أسواق المدينة
في الجاهلية، وكان يقوم في السنة مرارا، وكان بالنسبة للمدينة كسوق عكاظ
بالنسبة لمكة، حيث كان الشعراء يتفاخرون به وينشدون أشعارهم، وقد ذكر
السمهودي نقلا عن ابن شبه خبرا مفاده أن حسان بن ثابت وقيس بن الخطيم
والنابغة الذبياني التقوا فيه وتناشدوا (4).
ولما هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أراد أن يجعل للمسلمين سوقا
يتاجرون فيه، فذهب إلى سوق بني قينقاع، ثم عدل عنه (5)، وكأنه خاف أن
يظل اسم السوق غالبا علمه، فيعرف مدى الدهر بسوق بني قينقاع، أغلب
ظني أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يتخذ سوق بني قينقاع سوقا للمسلمين لذلك،
__________
(1) التراتيب الإدارية (2012) والنبط جيل من الناس كانوا يسكنون سواد العراق ثم استعمل في
أخلاط الناس وعوامهم.
(2) التراتيب الإدارية (2212).
(3) تلبيس إبليس ص: 283.
(4) وفاء الوفا (123814).
(5) نفسه: (2/ VtV) .
204