كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

ومما يؤتد ذلك أن كعب بن الأشرف لما قطع أطناب القبة التي ضربها
الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتكون علامة لسوق المسلمين لم يكلمه الرسول، ولم يعتب
عليه بشيء، بل قال: "لا جرم لأنقلنها إلى موضع هو أغيظ له من هذا"، ولو
كانت الأرض لأحد المسلمين، أو للدولة لما سكت - صلى الله عليه وسلم - عن هذه القبة،
ولأعاد ضربها رغما عنه، وأدبه على فعلته.
واختار الرسول مكانا اخر غربي المدينة، وضرب فيه القبة، ثم قال:
"هذا سوقكم، لا تتحجروا، ولا يضرب عليه الخراج " (1).
والذي دل الرسول على مكان السوق رجل جاءه فقال: يا رسول الله،
إني قد رأيت موضعا للسوق، أفلا تنظر إليه؟ قال: فجاء به إلى موضع
السوق - سوق المدينة - قال: فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - برجله، وقال: "هذا
سوقكم، فلا ينقص منه، ولا يضربن عليه خراج " (2).
ويظهر من بقية الروايات أن هذا المكان لم يكف لأن يكون وحده سوقا
للمسلمين، لذا فإن الرسول قد ضم إليه أرضا أخرى وجعل الجميع سوقا
للمسلمين.
روى ابن زبالة في أخبار المدينة عن عباس بن سهل عن أبيه أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - أتى بني ساعدة فقال: إني قد جئتكم في حاجة، تعطوني مكان مقابركم
فأجعلها سوقا، فأعطاه بعضهم، ومنعه بعضهم، وقالوا: مقابرنا ومخرج
نسائنا، تم تلاوموا فلحقوه وأعطوه إياه، فجعله سوقا ولهذا يقول السمهودي:
فليست المقابر المذكورة سوق المدينة كله، بل بعضه (3).
تحديد السوق:
واذا عرفنا ذلك يجب أن نعرف حدود السوق من جهاتها الأربع حتى
__________
(1) نفسه.
(2) وفاء الوفا (2/ 748)، التراتيب الإدارية (163/ 2).
(3) وفاء الوفا (2/ 748).
207

الصفحة 207