كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

واذا كان السوق قد ضمن للتجار المكان الواسع الذي يضعون فيه
بضاعتهم، وسهل لهم النزول فيه من غير عناء ولا عراقيل، فإنه مما لا شك
فيه أن يرغب التجار في جلب بضائعهم إليه، مما يؤدي إلى وفرة البضاعة،
وكثرة العرض، وتكون السلع في متناول الجميع فيستفيد السكان من ذلك.
ولقد شجع الرسول - صلى الله عليه وسلم - التجار على جلب بضائعهم إلى سوق
المدينة حين رفع عنهم الخراج، وأسقط عنهم الضرائب.
روى ابن ماجة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى سوق العيك، فنظر إليه
وقال: ليس لكم هذا بسوق، ثم رجع إلى هذا السوق فطاف به، تم قال:
هذا سوقكم، فلا ينقص، ولا يضرب عليه خراج (1).
وتحقيقا لهذا القول لم يسمح الرسول لأحد من المسلمين أن يتخذ
لنفسه في السوق مكانا تابتا، حتى لا يتميز على غيره، ولا يضر أحدا من
أمثاله من التجار، ولهذا فإنه لما مر بخيمة قد ضربت في السوق قال: ما هذه
الخيمة؟ قالوا هي لرجل من بني حارتة يبيع فيها التمر، فقال: حرقوها،
فحرقت (2).
وروى ابن شبه عن أبي مردود عبد العزيز بن سليمان أن عمر ابن
الخطاب - رضي الله عنه - رأى كير حداد في السوق، فضربه برجله حتى
هدمه، وقال: اتنقص سوق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
لقد كان السوق مشاعا بين المسلمين ليس لأحد حق في أن يحوز منه
موضعا ويحرم منه غيره، بل كان السابق أحق بالموضع الذي يناسبه في
السوق، وفي هذا التصرف فتح لباب المنافسة بين التجار، فحتسابقون إلى
السوق، ويحاولون الحضور مبكرين حتى يدرك كل منهم الموضع الذي
يناسبه بتبكيره ونشاطه.
__________
(1) ابن ماجة، السمهودي (2/ 748).
(2) السمهودى (2/ 749).
(3) نفسه.
209

الصفحة 209