وكان عمر بن الخطاب حريصا على ألا يستغل أحد السوق بحيلة من
الحيل مهما كانت، فقد روى ابن زبالة عن حاتم بن إسماعيل عن حبيب
قال: مر عمر بن الخطاب على باب معمر بالسوق، وقد وضع على بابه جرة،
فأمر بها أن تقلع، فخرح إليه معمر، فقال: إنما هذه جرة يسقي فيها الغلام
الناس، قال: فنهاه عمر أن يحجر عليها أو يحوزها. قال: فلم يلبث أن مر
عليها، وقد ظلل عليها، فأمر عمر بالجرة والظل فنزعهما (1).
وفي هذا التصرف من أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه - دليل على
انه كان يتفقد السوق دائما، ويذهب إليها بين الحين والحين، حتى لا
يتلاعب أحد من التجار بأرزاق الناس، ولا يتصرف في السوق تصرفا يخالف
القاعدة التي رسمها له الرسول.
عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة قال: كان أبي وعثمان ابن
عفان شريكين، يجلبان التمر من العالية إلى السوق، فمر بهم عمر بن
الخطاب، فضرب الغرارة برجله وقال: يا ابن أبي بلتعة، زد في السعر- وهو
المبيع - وإلا فأخرح من سوقنا (2).
وعمر في ذلك كان يقتدى برسول الله، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يذهب إلى
السوق، ويتفقد أحوال أهله، ويسأل التجار، كيف يبيعون؟ ويتحسس
البضاعة حتى لا يغشها التجار، ويخدعون المسلمين.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على صيرة
طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: ما هذا يا صاحب
الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي
يراه الناس؟ من غش فليس مني (3).
وبهذه الرعاية للسوق، والمحافظة على كيانه ونظامه، اتسع نطاق
__________
(1) نفسه.
(2) السمهودي (2/ 757).
(3) مختصر صحيح مسلم (11/ 2).
215