كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

التعامل فيه حتى قصده التجار من أنحاء الجزيرة المختلفة، ومن خارجها،
فكان الطعام يجلب إلى سوق المدينة من الشام (1). كما كان يجلب إليه
الدقيق والسمن والعسل (2) وكذلك كانت الثمار ترد إليه من الطائف وغيره (3)
حتى قال الكتاني: وذلك يدل على أن المدينة صارت سوق العرب، تقصد
بالبضائع من الأطراف البعيدة (4).
وفي عهد عثمان - رضي الله عنه - اتسع نطاق السوق وتزاحم فيه
التجار، فاستدعى ذلك تعيين مراقب يتابع التجار، ويراقب حركة البيع
والشراء، ويراعي أمر الموازين والمكاييل، وقد عين عثمان بن عفان الحارث
بن الحكم على سوق المدينة، وجعل له كل يوم درهمين (5).
النشاط التجاري والصناعي في السوق
في مثل هذا السوق لا بد أن تكون هناك حركة تجارية وصناعية، ولا
بد كذلك أن تكون تلك الحركة نشيطة بنشاط القاتمين عليه، ثم أن العدالة
التي راعاها الخلفاء بين نزلاء السوق على السواء من غير تمييز بين عربي
وعجمي كانت من أكبر العوامل في تنشيط تلك الحركة، ذلك لأن الإنسان
إنما يثمر أمواله حيث يجد الأمن عليها وحيث لا يكون هناك إرهاق يجعل
الناس يتحملون من التبعات ما يضر بأموالهم، ويكسد تجاراتهم.
روى ابن حجر في الإصابة في ترجمة سيما البلقاوي أنه كان نصرانيا،
وأنه كان يحمل القمح من البلقاء إلى سوق المدينة، وأنه دخل في الإسلام،
قال سيما، فبعنا القمح وأردنا أن نشتري التمر فمنعونا فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) البخاري (4/ 296).
(2) التراتيب الإدارية (159/ 2)، الطبري (9/ 178).
(3) السمهودي (2/ 757).
(4) التراتيب الإدارية (2/ 53).
(5) تاريخ الخميس (2/) الأوائل ص 154.
211

الصفحة 211