خرج عطاوه، تصدق به، وينسج الخوص، ويأكل من كسب يده (1).
وقد تطورت الصناعة في عهد الخليفة الثالث - عثمان بن عفان - رضي
الله عنه - فأحدثت الرحا الهوائية. روى صاحب التراتيب عن الشهاب
المرجاني في وفيات الأسلاف ص 335، أن العرب أحدتوا الرحا الهوائية
بالرياج المحدثة المترددة في الصناديق المتعددة، وكان ذلك سنة 29 بعد
الهجرة في خلافة عثمان (2).
كذلك عرف المسلمون صناعة التعدين فقد روى ابن سعد قال: (قدم
أبو الحصين السلمي بذهب من معدنهم فقضى دينا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
تحمل به عنه، وفضل معه مثل بيضة الحمامة ذهب، فأتى به رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - فقال: "صنع هذا حيث أراك الله، أو حيث رأيت " (3).
وكان عمر - رضي الله عنه - يدعو إلى استثمار الثروة الحيوانية،
ويحث على ذلك حتى لا يعتمد المسلمون على ما يأتيهم من المال فينفقونه
من غير اتجار ولا استثمار، وقد يأتي عليهم زمان لا يأتيهم فيه شيء جديد
من العطاء، فيظلون على حالتهم أو يضطرون إلى أكل رووس أموالهم فتسوء
حالتهم الاقتصادية بعد هذا التحسن الذي دخل عليهم.
وكان عمر ينظر بعين الإمام المسؤول، ويرى أن تدبير أمور المسلمين
واجب عليه، فلعل أحدهم يترك من الذرية والولد ما لا يقوم عطاوه
بكفايتهم، فيتضررون بالحاجة والفقر، يقول البلاذري - رحمه الله -.
قدم خالد بن عرقطة العذري على عمر، فسأله عما وراءه، فقال:
تركتهم يسألون الله لك أن يزيد في عمرك من أعمارهم، ما وطىء أحد
القادسية إلا وعطاوه ألفان أو خمس عشرة مائة، وما من مولود ذكرا كان أو
__________
(1) يراجع في ذلك كتاب التراتيب الإدارية ص: (63، 64، 91، 92).
(2) نفسه.
(3) الطبقات الكبرى (277/ 3) وفي سنن أبي داود أن رجلآ جاء النبي بذهب فقال له: "من أين
أصبت هذا الذهب "؟ قال: من معدن (82/ 2).
215