كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وبنى رسول الله مسجده وكانت مساحته مائة ذراع في ماية ذراع أو تقل
قليلا، وبنى أساسه من الحجارة، وأتمه باللبن وكان بدون سقف أولا، فلما
اشتد عليهم الحر قالوا: يا رسول الله، لو أمرت بالمسجد فظل قال: نعم،
فأمر له سواري من جذوع النخل شقة شقة ثم طرج عليها العوارض
والخصف والأذخر، وجعل وسطه رحبة، فأصابتهم الأمطار، فجعل المسجد
يكف - يقطر عليهم - فقالوا: يا رسول الله، لو أمرت بالمسجد فطين، فقال
لهم: "عريش كعريش موسى، ثمام وخشيبات والأمر أعجل من ذلك" (1).
وظل المسجد على حاله، حتى ضاق بالمسلمين، فوسعه - غ! ير - عام
سبعة بعد غزوة خيبر، يقول ابن النجار: قال أهل السيرة بنى النبي -! ييم-
مسجده مرتين: بناه حين قدم أقل من ماية في ماية، فلما فتح الله عليه خيبر
بناه وزاد عليه في الدور مثله (2).
مهمة المسجد:
ذكرت أن للمسجد مهمتين رئيسيتين:
احداهما: إقامة الصلاة والتفقه في الدين.
والأخرى: اجتماع المسلمين والتأليف بين قلوبهم، وكانت هذه
الأخيرة شيئا هاما بالنسبة للوضع الجديد، حيث كان من الممكن إقامة الصلاة
في أي مكان كما كانوا يصلون في مكة ولكن أين كان يجتمع هؤلاء؟ وما
الوسيلة لتوحيد صفوفهم والتأليف بين قلوبهم؟ إن أي دار من دور الأنصار
مهما اتسعت لا تستوعب هذا العدد الذي يتزايد كل يوم، كما أن اجتماع
المسلمين في دار أحد بعينه حتى، لو اتسعت، قد تشعره بمزية له على إخوانه،
وقد يترتب على ذلك إيغار الصدور، وحسد النفوس الأمر الذي يجب
تجنبه، وتجنب المسلمين مغباته.
لهذا كان لا بد من المسجد، كما كان لا بد من اتخاذ الوسائل التي
تساعد على تحقيق مهمته، ومن أجل ذلك كانت الناحية الدينية وسيلة لتدعيم
__________
(1) و (2) أخبار مدينة الرسول ص 69 - 70.
27

الصفحة 27