كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

الناحية السياسية، فكانت الصلاة في المسجد جماعة يجتمع لها المسلمون
خمس مرات في كل يوم ليلة، يلتقون في بداية يومهم فيصلون مجتمعين
على أمام واحد، متجهين إلى قبلة واحدة، يضمهم مكان واحد، تم ينصرفون
كل إلى عمله فإذا حان موعد عودتهم إلى بيوضهم للغداء والقيلولة، كان عليهم
قبل أن يذهبوا إلى بيوتهم أن يلتقوا في المسجد فيصلون ويرى بعضهم
بعضا، فإذا خرجوا من بيوتهم لمزاولة أعمالهم بدأوا بالمسجد يجتمعون فيه
لصلاة العصر تم يروحون لأعمالهم ثم يختمون يومهم باللقاء على صلاة
المغرب، فإذا حان وقت النوم جعلوا اخر عهدهم لقاء يضم صفوفهم
ويجمعهم على الحق والخير وذلك بصلاة العشاء الآخرة.
كانت الصلاة في المسجد من أهم وساتل توحيد الأمة، وجمع
الشمل، وتأليف القلوب، وأي شيء أقدر على ذلك من لقاءات خيرة تجتمع
فيها القلوب على الحب حيث تلتقي في ميدان المودة والصفاء، في المسجد
الذي أسس على التقوى.
ولم يكن المسلمون يجتمعون في المسجد أوقات الصلاة فحسب، بل
توسع الرسول في مهمة المسجد فجعله دارا للندوة، يجتمع المسلمون فيه
كلما حزبهم أمر، أو كلما أراد شيئا هاما يتعلق بمصلحة المسلمين، فكان
ينادي في الناس (الصلاة جامعة) (1). فيجتمع الناس في المسجد،
ويتشاورون فيما يهمهم، وبهذا التوسع في مهمة المسجد أصبح المسجد
مقرا لقيادة الجيش تعقد فيه الأولوية، وتصدر منه الأوامر للقواد، وكان دارا
للقضاء، وناديا للشورى، وكان نزلا للوفود والرسل الذين ترسلهم دولهم للقاء
الرسول - صلى الله عليه وسلم - (3) -
وهكذا كان المسجد من أهم عوامل توحيد صفوف الأمة، وجمع كلمة
المسلمين، وإزالة ما بينهم من العداوة القديمة، والحقد المتوارث، حتى
أصبحوا يدا واحدة على من عاداهم.
__________
(1) البخا ري (3/ 33 5).
(2) مذكرات في التاريخ الاسلامي ص: 73.
28

الصفحة 28