كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

ب - المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
ازال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسباب العداوة بين الأوس والخزرج بجمعهم
على الإسلام، كما ازال ما من شأنه أن يذكرهم هذه العداوة، وان يثير فيهم
حمية الجاهلية، فسماهم الأنصار وهو أسم تطلق على الجميع على حد سواء
وفي ذلك جمع لهم، حيث لا أوس ولا خزرج، بل هم أنصار رسول الله،
وانصار دين الله، لم يعد هناك داع للخصومة القديمة، فقد كانت للتنافس
على السيادة سياسياً أو اقتصاديا، فأصبحوا الآن يتنافسون على نصرة الله
ورسوله، والله ورسوله تدعوان إلى الأخوة والمحبة والسلام.
وشيء اخر، فقد وجه رسول الله - ع! ي! - هذه المعارك الطاحنة التي
كانت لا تنقطع بينهم، إلى أعدائهم، فبعد أن كانت المعارك تحصد
رووسهم، وتعصف بروسائهم، أصبحت تضمهم في صف واحد، ويدفع كل
منهم عن أخيه، وترد عنه ما يؤذيه، وأصبحت الحروب سببا في جمعهم بدلا
من تفريقهم.
تم اتجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إيجاد رابطة، قوية، تدعم اجتماعاتهم
في المسجد، وتربط على قلوبهم فلا ينزغ بينها الشيطان فاخى بين
المهاجرين والأنصار ولم تكن تلك المؤاخاة عملا أدبيا فقط كترحيب
المضيف بضيفه الذي ينزل عليه، بل ارتفعت إلى أعلى من ذلك، فربطت
بين المهاجرين والأنصار برباط معنوي ومادي بلغ حد التوارث بينهما بعد
الممات.
وقد صعد الأنصار - رضوان الله عليهم - هذه الأخوة حتى بلغت مبلغا
لم يخطر للعقل البشري، فقسموا أموالهم بينهم وبين إخوانهم وعرضوا
زوجاتهم على المهاجرين من إخوانهم ليختاروا منهن ما يعجبهم فيطلقها
الأنصاري ليتزوجها المهاجر (1).
__________
(1) البخاري (7/ 0 37).
29

الصفحة 29