كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

من أجل هذا الشعور بهذه التبعة رأينا سعد بن الربيع يقول لعبد
الرحمن بن عوف: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي
زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها (1).
إنه شعور بالتبعة، كيف يكون في هذا الرخاء، وأخوه لا يجد ما يقتات
به؟ بل كيف تكون له زوجتان، وأخوه يعيش بغير زوجة تقوم بتدبير شأنه؟.
واقتضى واجب الأخوة بينهم أن يهيئوا أسباب العمل لإخوانهم حتى لا
يكونوا عالة على غيرهم، فشغلوهم في أرضهم مزارعة، وأقرضوهم الأموال
ودلوهم على أسواق المدينة وكانوا هم تجارا ماهرين، فتاجروا وربحوا،
وظهرت اتار النعمة عليهم بعد أيام قليلة من اتجارهم (2).
جـ - المعاهدة:
لم يخف على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما كان يتمتع به اليهود في المدينة من
النفوذ السياسي، والسيطرة الاقتصادية، والمنزلة العلمية، ولقد ضاقوا من قبل
بمزاحمة الأوس والخزرج لهم في الأرض، وتفوقهم عليهم في العدد،
فبغوهم الدوائر، ودبروا لهم المكائد، وأثاروا بينهم الفتن حتى لا يهدأ لهم
بال، ولا يهنأ لهم عيش.
ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - على يقين من حقدهم عليه، وبغضهم له منذ بعثته،
فلما ظهر ودعا الناس إلى الله كانوا أول كافر به، وكانوا من قبل يهددون
الأوس والخزرج بظهوره وانضمامهم إليه، وليس ذلك إلا حسدا من عند
أنفسهم وكراهة أن يخرج هذا الأمر منهم، وكانوا يحسبونه وقفا عليهم.
إن وجود اليهود في المدينة خطر يهدد الجماعة الإسلامية، ولا يستبعد
أن يدفعهم الحقد، ويجرهم البغض إلى التعاون مع العدو الخارجي، ولم
يكن من الحكمة إخراجهم من المدينة في تلك الظروف لأن انضمامهم إلى
__________
(1) البخاري (4 / YAA) .
( 2 ) البخاري (4 / AV ') .
rl

الصفحة 31