كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

عدو المسلمين إذا كان مشكوكا فيه، وهم موجودون في المدينة، فإنه سيكون
حقيقة واقعة إذا أخرجوا منها، وكان اليهود يومئذ قوة لا يستهان بها وعندهم
من السلاج والأموال ما لو بذلوه في محاربة المسلمين وعداوتهم لأرهقوهم،
وسببوا لهم متاعب هم في غنى عنها، فكيف إذا انضمت عداوتهم إلى عداوة
المشركين، وانحازوا بقوتهم وسلاحهم إلى الأعداء المتربصين؟.
لا شك، أن الموقف سيكون حرجا جدا بالنسبة لجماعة المسلمين،
هذا الوضع القلق لا بد ان يأخذ مكانه من نفس الرسول -! ك! - ولا بد أن
يتناوله بحكمة النبي، وحزم القائد، وحنكة السياسي، وخبرة المربي، ليضع
الحل المناسب الذي يحنب المسلمين ما يتوقع من اليهود من الشر، حتى
يشتد عودهم، وتقوى شوكتهم، ويصبحوا قادرين على مواجهة عدوهم،
وتلخص هذا الحل في عقد معاهدة بين المسلمين من جهة، وبين اليهود من
جهة أخرى.
لم يكن هناك حل يقضي على هذه المشكلة سوى عقد المعاهدة،
لأنها أقرت اليهود على دينهم فطمأنتهم على عقيدتهم، وأقرتهم في بلادهم
فربطت بينهم وبين مصالحهم، فلم يحاولوا الخروح للانضام إلى المشركين
رعاية لتلك المصالح، تم أن الرسول - -لمجيير - هو الذي دخل عليهم بلادهم،
وجعلها مقرا لحكومته، ومنطلقا لدعوته، ومع ذلك لم تمنح المعاهدة اليهود
حقا ليس لهم، بل أمنتهم برعاية الإسلام لهم ما داموا على وفائهم لتلك
المعاهدة، وفي هذا نص واضح على إخضاعهم للتشريعات الجديدة،
وإجبارهم على التبعية للوضع الجديد، ومعنى هذا أن اليهود عاشوا في
المدينة تابعين لا متبوعين، مقيدين لا مطلقين.
ولهذا لما بدأوا ينقضون عهودهم، ويخالفون التزاماتهم، حدد
الرسول - يث! ميد - موقفه منهم، فمن على بني قينقاع على أن يغادروا المدينة
بنسائهم وذريتهم (1) وأجلى بني النضير عنها، وقتل البالغين من بني
قريظة (2).
__________
(1) مختصر السيرة ص: 239. (2) ابن هشام (م /2/ 141? 245).
32

الصفحة 32