كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

خامسا: نلاحظ أن المعاهدة تناولت تفصيلات دقيقة، وكررت ألفاظا كان
يمكن إجمالها، وذلك دليل يؤكد أنها من كلام الرسول -! ك! ع! م-
ذلك لأن طبيعة المعاهدات لا يقبل فيها الاجمال، لأنها تكون
دائما بين أطراف مختلفة، وتعقد لتوضيح أمور هامة يلتزم بها
المعنيون، فإذا لم ينص فيها بالتفصيل الدقيق على كل أمر يحتاح
النص إليه، تكون محل نزاع وخلاف يؤدي إلى عدم احترامها
ولذلك كانت الدولة القوية تعمد إلى الألفاظ المحتملة لأكثر من
معنى، وتضعها في نصوص المعاهدات التي تعقدها مع الدول
الضعيفة حتى تتمكن من التلاعب بالمعاهدة وتفسيرها بالشكل
الذى يخدم مصالحها.
ولما كانت تلك المعاهدة خالية من ذلك - مع أنها صادرة من جهة
تعتبر في مركز قوي - نستطيع أن نستدل بها على أمرين هامين:
الأول: أنها صادرة عن الرسول -! ك! م - إذ لا يمكن أن تكون محكمة هذا
الاحكام، شاملة لكل هذه الأمور وقد عقدت في مثل هذه
الظروف، وفي ذلك العصر الذي لم يعرف فيه شيء من ذلك
العدل وهذا الإنصاف، إلا وتكون صادرة عن إنسان ملهم يوحي
إليه بما يفعله في هذه الأحوال.
الثاني: أنها صورة حسية للنظام الذي تقوم عليه دولة الإسلام، تمثل
عدالة الإسلام وحسن معاملته حتى لأعدائه، وبغضه للظلم
والفساد مهما كان الظالمون المفسدون. فقد عقدت بين
المسلمين واليهود، وعداوتهم للمسلمين معروفة مشهورة حتى قبل
أن يكونوا مسلمين، ومع ذلك لم يكن فيها حيف قط، يمكن أن
يكون دليلا ضد المسلمين.
نستطيع الآن أن نمر سريعا بمحتويات الوثيقة بعد أن أثبتنا أنها صحيحة
النسبة إلى رسول الله - -لمجد- فنقول: الفقرة الأولى خاصة بتوطيد أواصر
المحبة والتعاون بين المؤمنين، حيث نصت على أنهم أمة واحدة دون
38

الصفحة 38