كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

كما أن منح الأفراد حق الإجارة من قبل الدولة فيه اعتراف صريح
بكرامة الإنسان ومنزلته في دولته، والإسلام يهتم كثيرا بذلك، ويعتني بإظهار
كرامة الفرد، وبيان منزلته، حتى يكون عزيزا كما أراد له الله، ومن أجل تقرير
هذا المعنى في نفوس المسلمين قال -! لمجفه - "اطلبوا الحواتج بعزة النفس،
فإنما الأمور تجري بمقادير" (1) وقال عمر بن الخطاب لرجل رآه يمشي متماوتا
في سكك المدينة: الا تميتوا علينا ديننا أماتكم الله).
وبهذا يتضح أن منح حق الإجارة للأفراد بالشرط المذكور في المعاهدة
ليس ثغرة أو عيبا فيها، وانما هو تكريم للفرد المسلم مع مراعاة ىمة الدو! ة
والاحتفاظ بحقها، إذ لو أجار محدثا أو عالما أو آثما يرد جواره، وتخفر ذمته.
كما يجب أن نفهم أن الأفراد لا يجيرون على الدولة، وإنما يجيرون
بأمر الدولة وبتصريح منها، فهم بذلك يمارسون حقا مشروعا ليس فيه مساس
بمصلحة الدولة أو تعد على حقوقها أو حقوق رتيسها.
وبإبرام هذه المعاهدة يكون الرسول - عيم - قد كون جبهة داخلية قومية
متماسكة، وقضى على المشكلات التي كانت عقبة في طريق هذه الأمة،
وبهذه الجبهة الموحدة استطاع أن يواجه المشكلة الخارجية، وأن يرهب
أعداءه المتربصين به، فجهز الجيوش، وبعث السرايا، ونازل قريشا في
معركة فاصلة، ولقنهم درسا ظل أتره يلاحقهم حتى أمنهم دخولهم في
الإسلام.
على أن إبرام المعاهدة كان يعني شيئا آخر مهما، هو إعلان قيام دولة
جديدة في المدينة، فقد صرحت أولى فقراتها بأن المؤمنين أمة واحدة من
دون الناس، وبذلك أصبح للمسلمين دولة لها مميزاتها، ولها خصاتصها.
فهي أمة قاتمة على أساس التوحيد في العقيدة، ومبدأ العدالة في
التقاضي وشريعة المساواة في التعامل، وعلاقة المحبة والإخاء في الأخذ
والعطاء، دستورها كتاب الله، وزعيمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) ابن عساكر.
43

الصفحة 43