كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وهي أمة تفتح أبوابها للناس عامة، وتدعوهم جميعا للدخول في رحابها
والعمل تحت لوائها، فليس هناك حدود تحول بينها وبين قاصديها، وليس
جنس معين هو أحق بالانتساب إليها من غيره، بل هي أمة عالمية منذ
نشأتها، ضمت أجناسا شتى من البشر وصهرتهم جميعا في بوتقة الإسلام،
فهي علاوة على كون زعيمها عربيا، وقامت على أرض عربية، إلا أنها رحبت
ببلال الحبشي وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، فعاشوا إلى جوار زعمائها
العرب أخوة لا يميزهم عرق، ولا يفرق بينهم جنس وعرفوا جميعا باسم
المسلمين.
وهي أمة تعتبر التناصح بين أفرادها وسيلة من وساتل بلوغ غايتها،
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدآن من مبادىء تهذيب الأفراد، وتقويم
الزعماء، وترقية الأمة، وبهما كان المسلمون خير أمة.
تلك هي أهم مميزات الأمة الإسلامية وخصاتصها، نص عليها
دستورها، ودعا إليها رسولها، وطبقها عمليا المسلمون، فأصبحت نموذجا
يحذو حذوه المصلحون.
وبعد توحيد الجبهة الداخلية وضمان سلامتها، وبعد إعلان قيام الدولة
كان على النبي -الزعيم، أن يوجد مجالات عمل تتحرك من خلالها الدولة
الناشئة، فينشط الدعاة في نشر الدعوة، والتجار في تسويق تجارتهم وجلب ما
يحتاجون إليه من البضائع.
كما كان لا بد من إيجاد منافذ للدولة تطل منها على العالم المحيط
بها، وتتجه منها إلى أي وجهة تشاء دون أن يحول بينها وبين ذلك حائل،
وفي النهاية لا بد من تحديد معالم تلك الدولة وتأمين حدودها.
كان ذلك كله من مهمات الرسول -! سييه - وقد بدأ فعلا في تحقيقها
فبعد أن استقر أمر المسلمين في المدينة أخذ يعالج هذه الأمور الأهم منها
فالمهم، وبالشكل الذي يتناسب مع الوضع الجديد، ويحقق المصلحة
للمسلمين.
44

الصفحة 44