كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

والقرآن الكريم قد حدد العلاقة بين المسلمين المهاجرين وغير
المهاجرين، فقطع الموالاة بينهما وهي أساس عظيم من أساس الروابط
الإسلامية التي حث عليها، وجعل حقيقة الموالاة بينهما لا تكون إلا بالهجرة
والانضمام إلى جماعة المسلمين، قال - تعالى -: "والذين امنوا ولم
يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا " (1).
ولقد كان ذلك في بداية الانتقال بالإسلام من مكة المكرمة إلى المدينة
المنورة، تم انقطع ذلك الحكم لما قوي الإسلام، ولم يعد هناك حاجة إلى
الهجرة، روى مسلم، عن مجاشع بن مسعود السلمي، قال: (أتيت النبي
- صلى الله عليه وسلم - أبايعه على الهجرة فقال: "إن الهجرة قد مضت لأهلها، ولكن على
الإسلام والجهاد والخير") (2).
وينقل النووي عن القاضي عياض قوله: الم يختلف العلماء في
وجوب الهجرة على أهل مكة قبل الفتح). (ثم قال: لأن الغرض من ملازمة
المهاجر أرضه التي هاجر إليها، وفرض ذلك عليه، إنما كان ذلك في زمن
النبي - صلى الله عليه وسلم -، لنصرته) (3) وبهذا يكون - لمجر - قد انتهى من تنظيم شؤون
الدولة الداخلية، ولم يبق أمامه سوى مواجهة العدو الخارجي.
يقول الأستاذ الشريف: وكانت مهمة النبي السياسية بعد هذا تنحصر
في الدفاع عن حدود دولته، وضمان الأمن لها، ولم تخرح تصرفاته عن هذا
الهدف طوال العصر المدني (4).
والحق أن الأمر ليس كذلك، فلم تكن مهمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - منحصرة
في الد فاع عن حدود دولته، وضمان الأمن لها، كما يقول الأستاذ الشريف،
وانما كانت هذه إحدى مهامه، وقد أخذت وقتا غير قصير، حيث استمرت
__________
(1) الأنفال: 2 7.
(2) مسلم شرح النووى (7/ sr).
(3) نفسه ص ة 6 - 7.
(4) مكة والمدينة ص: 9 4" r .
47

الصفحة 47