كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

أولا: النهضة الاجتماعية:
كان المجتمع في المدينة قائما على أساس طبقي فيه السادة، وفيه
العبيد، وفيه الفقراء والأغنياء، وفيه الصرحاء والحلفاء، وكانت الهوة سحيقة
بين كل طبقة وما يقابلها، والبون شاسعا بين الناس بعضهم وبعض!، فبينما
يتمتع السادة بكل الحقوق، يحرم العبيد من جميع الحقوق، وبقدر توفر
أسباب الرخاء للأغنياء بقدر حرمان الفقراء من الحقوق الطبيعية للإنسان
وبينما يؤدي الصريح بدية كاملة يكون الحليف على النصف منه، كما بينا
ذلك في الباب السابق.
إن مجتمعا بهذا الشكل لا يمكن أن تتوفر فيه أسباب النهوض، أدرك
الإسلام هذه الحقيقة عندما وضعت أول قدم للمسلمين في المدينة، ولا شك
أن الإسلام سيواجه هذه المشكلة، وقد أدرك أبعادها والمتاعب التي عليه أن
يتحملها لكي ينهض بهذا المجتمع الذي رضي بالإسلام دينا وبمحمد
رسولا.
وامتدت يد الإصلاح إلى جميع مرافق المجتمع، ووقف الإسلام من
مشكلاته موقفا حازما وعالج برفق جميع الأوضاع التي لا بد من علاجها،
حتى استطاع بفضل برامجه التفصيلية، وتشريعاته الاجتماعية، أن يأخذ بيد
المجتمع المتدهور فينهض به من كبوته، ويضعه في مصاف أرقى
المجتمعات التي عرفها التاريخ في تلك الحقبة من الزمان، حيث قضى على
الطبقية، وأغلق أبواب الاسترقاق، ورفع من شأن العبيد، وأزال من النفوس
العادات الجاهلية، وأحل محلها النظم الإسلامية.
أ - الإسلام والطبقية:
جاء الإسلام بتشريعات هامة للناس جميعا على حد سواء الأحرار منهم
والعبيد، وكان مبدأ المساواة التامة بين جميع المسلمين هو الأساس في هذه
التشريعات، فالفرائض كلها يستوي فيها السادة والعبيد والفقراء والأغنياء
والصرحاء والحلفاء، فلم يعف السادة من الصلاة أو حتى من بعضها، كما لم

الصفحة 54