كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

يعف الفقراء من الصيام أو يتساهل معهم في إفطار بعض الأيام، وهكذا
جميع التكاليف، ولما جاء وفد ثقيف يفاوض الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليعلن إسلامه
وإسلام ثقيف من ورائه طلبوا من الرسول أن يعفيهم من الصلاة فرفض - صلى الله عليه وسلم -
طلبهم وقال: "لا خير في دين لا صلاة فيه" (1).
وقد ألغى الإسلام نظام الطبقات الذي كان سائدا في جزيرة العرب
كلها، واعتبره عاملا من عوامل الفرقة بين أفراد الأمة الواحدة، فنادى بالأخوة
العامة بين المسلمين، قال - تعالى -: "إنما المؤمنون أخوة " (2) والرسول
- صلى الله عليه وسلم - يقول: "وكونوا عباد الله إخوانا" (3).
وكما أغلق الإسلام باب التفاضل بالأحساب والأنساب لأنه لا دخل
للإنسان في اكتساب حسبه ونسبه، فتح أمامهم بابا عظيما للتفاضل يستطيع
الجميع أن يتنافسوا فيه، ذلك هو ميدان البر والتقوى، فجعل أكرمهم عند الله
أتقاهم لا أغناهم، ولا أشرفهم ذلك لأن ميدان التقوى وعمل البر مفتوح لكل
إنسان نسيب أو وضيع، ويستطيع كل إنسان أن يبرز فيه بقدر جده واجتهاده،
وبهذا جعل الإسلام التفاضل بالجهد البشري لا بما يولد عليه، فكم من
حسيب الأصل وضيع الخلق.
ومن أجل هذا نبه الله سبحانه على ذلك المعنى ونسب الناس جميعا
إلى أب واحد وأم واحدة " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم
شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " (4) فلا تفاضل إذن
بالأحساب والأنساب لأن الأب واحد والأم واحدة، ولهذا قال الشاعر:
الناس من جهة التمثيل أكفاء ... أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم في أصلهم شرف ... تفاخرون به فالطين والماء
وقد طبق الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا المبدأ عمليا بين أصحابه، فآخى بين
__________
(1) ابن هشام (137/ 4) زاد المعاد (465/ 2) مختصر السيرة ص 371.
(2) الحجرات: 5 1.
(3) رواه مسلم.
(4) الحجرات: 4 1.
55

الصفحة 55