كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

كما يجب أن نفرق بين التفاضل المادي والتفاضل الروحي بين بني
البشر، فالتفاضل الروحي فتح الإسلام بابه ولم يغلقه في وجه أحد من
الناس، وطلب منهم أن يتنافسوا فيه، ليبلغ الإنسان فيه بجهده أقصى ما
يمكن أن يبلغه دون الوقوف عند حد معين، فقد يكون الإنسان فقيرا لا يجد
قوت يومه وهو عند الله خير من ملء الأرض من الأثرياء الذين لم يبلغوا مبلغه
الروحي.
مر رجل على رسول الله - غ! ي! - فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري
إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع.
قا ل: تم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: وما تقولون في
هذا؟ قالوا: حرى إن خطب ألا ينكى، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا
يستمع، فقال رسول الله - ع! مر - هذا خير من ملء الأرض مثل هذا (1).
وأما التفاضل المادي فقد يكون عن طريق الأحساب وذلك ما نفاه
الإسلام ونهى المسلمين عنه، وقد يكون عن طريق المال، بمعنى أن الرجل
يملك من المال ما لا تملكه غير، أي يكون أكثر مالا من غيره، فذلك شيء
لا اعتراض عليه في الإسلام، لأن الإسلام يعتبر المال الذي تحصله عن
طريق مشروع رزقا قسمه الله لك، وليس لأحد أن يعترض على ذلك، لأن
نظام الحياة واستقرار الأوضاع عند الناس لا يتم إلا إذا وجد الغني والفقير،
هذا ينفق من ماله، وذلك يعمل وينتج في المجتمع الذي يعيش فيه، وبذلك
تستقيم أحوال الناس، ولا يختل توازن المجتمع، قال - تعالى -: " نحن
قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات،
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا" (2).
على أن الإسلام وإن أباح هذا النوع من التفاضل إلا أنه لم يسمح
لأصحاب الأموال أن يستغلوها في تسخير الفقراء والتكبر عليهم، كما لم
__________
(1) البخاري: (9/ 2 3 1).
(2) ا لزخرف: 2 3.
57

الصفحة 57