كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

لم يخضع لتشريع الله، وينمي في سبيل ذلك عادات قومه وتقاليد
أمته ويذلل نفسه لأحكام الشريعة التي آمن بها.
ومن هنا كان الخضوع للإسلام كشريعة مثل الخضوع له
كعقيدة لا يجوز التفريق بينهما حتى حكم الله بعدم إيمان الذين لا
يرضخون لأحكام الله " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما
شجر بينهم، تم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا
تسليما " (1).
ثانيا: سن التشريع الردع المناسب لكل جريمة، فالإنسان إنما يلجأ
للأخذ بثأره إذا لم يكن هناك من التشريع ما يكفل له ردع
خصمه، ورد حقه إليه، ولقد كان العربي يلجأ إلى استعمال قوته
ليأخذ تأره حيث لم تكن هناك حكومة تقضي له، وتدفع عنه،
وحيث لم يكن هناك تشريع يضمن له عدم الاعتداء عليه، وأخذ
حقه من المعتدي فلما سن الإسلام الحدود، وأقام حكومة ترعى
حقوق الناس، وتسهر على أمنهم، اطمأنوا وأسلموا قيادتهم لتلك
الحكومة الرشيدة " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين
بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن " (2) " وأن
احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم " (3).
ثالثا: تطبيق الحدود على من يرتكب جريمة تستحق حدا، وعدم
التهاون في أخذ الناس بها على وجب الحد، لأن التشريعات تظل
فلسفة قائمة بالأذهان ما لم تطبق، ولا تحوز احترام الناس
وإعجابهم إلا إذا كان تطبيقها على الناس جميعا على حد سواء
والناس لا يرضون بها ولا يذعنون لها إلا إذا كانت تحمي
حقوقهم، وترد العوادى عنهم "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد
__________
(1) النساء: 65.
(2) المائدة: 45.
(3) المائدة: 49.

59

الصفحة 59