كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " (1)، عن
عائشة - رضي الله عنها- أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي
سرقت، فقالوا من يكلم فيها رسول الله - جم! عيه - ومن يجترىء عليه
إلا أسامة حبيب - رسول الله - -يخي! -؟ فكلم رسول الله - ع! عيم - فقال:
أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام، فخطب فقال: "يا أيها
الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه
وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت
محمد سرقت لقطع محمد يدها" (2).
رابعا: منح المعتدي عليه أو وليه حق الاختيار بين إقامة الحد، أو الدية
فيما تقوم فيه الدية مقام الحد، أو العفو، مع الترغيب في العفو
بوعد فاعله بالأجر العظيم، والثواب الجزيل من الله عز وجل،
وفي هذا علاح للمشكلة عن طريق نفس قلما تفطن له التشريعات
البشرية، ذلك لأن تمليك الإنسان حق الاختيار مع الاعتقاد بأن
الحكومة ملزمة، بتنفيذ ما يقرره يجعله يشعر بمكانته في مجتمعه،
فهو وحده صاحب الكلمة الحاسمة في الموضوع، والحكومة ستنفذ
له رغبته في حدود التشريع، وعندئذ إذا طلب القصاص نفذته
الحكومة، وتقف المسألة عند هذا الحد، ولم يجد أولياء المقتول
مجالا لأخذ الثأر إذ ليس هناك شخص معين قتل قتيلهم، وإن
تنازل وطلب الدية نفذ طلبه، وطابت نفوس أولياء القاتل حيث لم
يقتله صاحب الدم، وينقطع بذلك طلب الثأر، وإن عفا وطلب
أجره من الله، شعر بأنه متنازل بإرادته وهو قادر على القصاص
دون عجز أو ضعف، فلا تسول له نفسه بعد ذلك أن يطلب بثأره
فينحسم الموضوع، وتحفظ الدماء وتطيب النفوس، ويعيش
المجتمع في محبة ووئام.
__________
(1) النور: 2.
(2) البخاري شرح ابن حجر (87/ 12).
60

الصفحة 60