كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وهكذا عالج الإسلام المشكلة، وقضى على أكبر خطر هدد المجتمع
بالفناء، وزعزع أمنه بإراقة الدماء، فطهر القلوب من الأحقاد وغرس مكانها
المحبة والوداد.
ج - الإسلام والرق:
بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - والدنيا كلها من أقصاها إلى أقصاها تعج
بالعبيد، وكان الرق مصدرا من مصادر الرزق وبسط النفوذ والسيطرة، لهذا
تمسك به الناس، واعتبروه حقا لا تجوز المنازعة فيه، وكانت جزيرة العرب
إحدى البقاع التي انتشرت فيها تلك البضاعة، وقامت فيها لها أسواق
متعددة، مثلها في ذلك مثل بقية البقاع في الأرض.
وكان العبيد في كل زمان ومكان يعتبرون شيئا غير الإنسان، فسيده
يعذبه، ويحرقه بالنار، ويقتله من غير أن يشعر بأنه ارتكب جريمة لأنه في
نظره ليس بإنسان، كان ذلك في بلاد الفرس صاحبة الحضارة الساسانية
العميقة الجذور، كما كان في بلاد الروم الدولة النصرانية الحامية للديانة
الروحانية، كذلك كان في بلاد الإغريق بلاد الفن والفلسفة والأدب، فلا غرو
إذا أن يكون الأمر كذلك أو أشد من ذلك في جزيرة العرب، ولم تكن
المدينة بمعزل عما كان يدور في الجزيرة، فهي إحدى أجزائها الهامة ومنطقة
من مناطقها الحيوية.
جاء الإسلام، وحال العبيد كما ذكرت، فنهض بهم نهضة ردت إليهم
إنسانيتهم أولا، ثم ردت إليهم حريتهم، وكانت آخر شيء يمكن لهم أن
يتصوروا حصوله أو يتوقعوه، فعل ذلك الإسلام وهو لا يزال في سنواته
الأولى يواجه العقبات ويصمد للتحديات، حتى يخيل لمن يعلم حقيقة تلك
النهضة أن مهمة الإسلام الأولى هي تحرير هؤلاء العبيد الذين أوقعهم حظهم
العاثر في أيدي الحمقى المستهترين وإن كانوا أشراف القوم وسادتهم.
إن هؤلاء العبيد قد أحسّوا بإنسانيتهم منذ خاطبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -
ودعاهم إلى الإسلام كما دعا غيرهم من أشراف العرب، إنهم من قبل لم

الصفحة 61