كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

يكونوا شيئا مذكورا، فأصبحوا بدعوه الإسلام لهم أناسا لهم حقوق، وعليهم
واجبات وأحسوا بأن لهم عقولا تعي ما يلقى عليها، وقلوبا تستجيب للحق،
وأرواحا تتأثر بالهدى، وليسوا كما كان القوم يزعمون خلقاً اخر غير الإنسان.
أحسوا بأن الإسلام يخاطبهم بنفس خطاب السادة، ويطالبهم بما
يطالب به الأشراف، ويضعهم معهم على قدم المساواة، فأسرعوا إلى تلبية
ندائه ودخلوا في دين الله يوم أن تعنت الطغاة، وأعرض المتمردون، هذا
بلال يدخل في الإسلام وهو عبد مملوك لأمية بن خلف، ولا يبالي بما ينزل به
من سيده وكذلك أسلمت أم عبيس وزنيرة والنهدية وابنتها، وجارية بني مؤمل
كما أسلم عمار وياسر وسمية وصهيب وعامر بن فهيرة (1).
إن هؤلاء جميعا قد أسلموا والإسلاآ في حاجة إلى من يقويه، ويشد
أزره، وكان ينزل بهم البلاء ألوانا وأصنافا، وهم تابتون على عقيدتهم لا
يردهم تعذيب، ولا يصدهم إرهاب، ولو أن هؤلاء أسلموا والإسلام في منعة
وقوة، لصح قول القاتلين إنما دخلوا في الإسلام ليحميهم ويدفع عنهم
البلاء، أما وقد أسلموا والإسلام لم يقو بعد علمنا أنهم أسلموا رغبة في
الإسلام الذى أعاد إليهم إنسانيتهم وأفىررى إليهم حريتهم.
لقد كانت أبواب الرق مفتحة على مصاريعها يوم جاء الإسلام فغلقها
كلها، ولم يبق منها إلا بابا واحدا كان لا بد ان يظل مفتوحا، ذلك هو رق
الحرب، ولو أن الإسلام أغلقه لوقع المسلمون فريسة في أيدي أعدائهم دون
أن يكون هناك رادع لذلك العدو، من أجل ذلك أبقاه الإسلام ليعامل أعداءه
بالمثل، وليكون معه سلاح يدفع به عن أبنائه ما يمكن أن يحل بهم (2).
وأوصى الإسلام بالرقيق خيرا، فجعلهم اخوانا لمن يملكونهم، وأمر
السادة أن يطعموهم ويلبسوهم ما يأكلون ويلبسون ونهاهم عن تكليفهم بما
يشق عليهم من الأعمال، وأمر من يكلفهم بمثل ذلك أن يعينهم ويساعدهم
__________
(1) ابن هشام (1/ 278).
(2) شبهات حول الإسلام ص: 46.
62

الصفحة 62