كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

ولما كان الإسلام حريصا على تحرير الرقاب أفتى العلماء بأن تحرير
رقبتين بقيمة رقبة واحدة نفيسة أفضل من تحرير رقبة واحدة وقالوا: لأن
المقصود هو فك الرقبة (1) على أن الإسلام مع هذا الحرص على التحرير
كان لا يعني مجرد التحرير، بل كان يشترط ألا تكون الرقبة المحررة عاجزة
عن العمل في المجتمع، حتى لا تصبح عالة وتفقد بالعتق مصدر رزقها،
ولهذا كانوا يكرهون تحرير النساء اللاتي لا عمل لهن والرجال الضعفاء
العاجزين أو الذين يخشى من تحريرهم إفسادهم (2).
ومن هذه اللمحة الراتعة نشر بأن الإسلام كان حريصا على أن تظل
مكانة الرقيق مرعية، ومصلحته محققة فإن تحققت بالعتق أعتقه، وإن كان
العتق سببا في ضياعه وهوانه كرهه وأمر سيده بإمساكه والإحسان إليه.
وأخيرا لم يمنع الإسلام هؤلاء الرقيق من أن تكونوا قادة أو أمراء، بل
فتح لهم طريق المجد وأشعرهم بأنهم لا ينقصون شيئا عن إخوانهم الأحرار،
حتى جند الرسول - صلى الله عليه وسلم - كبار الصحابة في جيش، وجعل قائده أسامة بن
زيد، وحتى قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لو كان سالم مولى أبي
حذيفة حيا لاستخلفته، وأوصى أن يصلي بالناس صهيب بن سنان الرومي
حتى يتم اختيار الخليفة (3).
ويستحسن أن نختم هذا الموضوع بالإحصائية التالية عن عدد العبيد
الذي أعتقهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبعض أصحابه، لنتبين مقدار ما بذلوه من مال
في تحرير الرقيق، ومدى تأثير دعوة الإسلام لهم ليحرروا هؤلاء التعساء:
1 - أعتق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا وستين نسمة.
2 - أعتقت السيدة عائشة - رضي الله عنها - تسعا وستين نسمة.
3 - أعتق العباس - رضي الله عنه سبعين عبدا.
__________
(1) فتح الباري (148/ 5 - 149)، مطالب أولي النهي (692/ 4).
(2) مطالب أولى النهي (692/ 4 - 693).
(3) مسط النجوم (386/ 2).
66

الصفحة 66