منها واضحتان هما المسلمون واليهود، والطائفة الثالثة كانت تلعب على
حبلين، وتوالي كلتا الطائفتين، وكانت موالاتها للسملمين ظاهرية، وأما
موالاتها لليهود فكانت خفية وهذه الطائفة هي التي عرفت عند المسلمين
بالمنافقين، وقد وصفهم الله - عز وجل - في القرآن الكريم بقوله: " يقولون
بألسنتهم ما ليس في قلوبهم " (9) "يا أيها الرسول لا يحزنك الذين
يسارعون في الكفر من الذين قالوا: آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " (2)
" وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا امنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: انا معكم
انما نحن مستهزئون " (3) هذه هي الطوائف الثلاث التي كان يتكون منها
المجتمع في المدينة.
فأما المسلمون فقد طهر الله قلوبهم بالإيمان، وربط بينهم بالمحبة
والأخوة فكانوا كما وصفهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - كالجسد الواحد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر (4).
وأما يهود فقد استقبلوا المسلمين عند هجرتهم استقبالا حسنا، لأن
المسلمين كانوا يوافقونهم في كثير من الحالات، حيث كانوا يصلون الى بيت
المقدس، وصاموا يوم عاشوراء، ولم يتعرضوا لليهودية بنقد أو تجريح، وكان
أمل اليهود أن يستغلوا هذه الدعوة لمصلحتهم، ويستعينوا بالمسلمين على
تقوية مركزهم المتدهور في المدينة، ولكنهم لم يحققوا شيئا من ذلك، فقلبوا
ظهر المجن، وأخذوا يتصلون بالعدو الخارجي، ويحرضونه على الإيقاع
بالمسلمين، ويغرونه بمهاجمة المدينة ليقوضوا أركان الدولة الناشئة.
وأما المنافقون فكانوا جماعة تشعر بضعفها، وتعتقد أنها لا قبل لها
بمهاجمة المسلمين، من أجل ذلك لجأوا إلى النفاق، وأظهروا عكس ما
يبطنون، غير أن ميلهم الحقيقي كان مع اليهود، وعلى المسلمين، وكان
__________
(1) الفتح: 11.
(2) المائدة: 1 4.
(3) البقرة: 4 1.
(4) مسلم (8/ 0 2).
70