كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

يتزعم هذه الطائف زعيم الخزرج الذي أفلت من الموت يوم بعاث لعدم
اشتراكه في المعركة، عبد الله بن أبي سلول، وهو الذي اجتمع عليه الأوس
والخزرج ليتوجوه، ويكون ملكا عليهم في المدينة المنورة ولكن فاجأه
الإسلام فشرق به، ولم يستطع مجاهرته بالعداء، فأظهر الإسلام، وأخفى
الكفر (1) وأخذ يتصل باليهود في المدينة ويدبر المؤامرات على أمل القضاء
على المسلمين (2).
هؤلاء الطوائف هم سكان المدينة، وتلك هي حالهم، ولا شك أن
الطائفتين الأخيرتين تعتبران نقطتي ضعف في هذا المجتمع، تعكران عليه
حياته، وتكدران صفوه، لهذا! ان لا تد من علافي الوضع، ولم يكن هناك
علافي أنجع من الحكمة في المعاملة للإصلاخ أو التسكين على الأقل، حتى
يهدأ الجو، ويقوى المسلمون، ثم يواجهوا المعاندين مواجهة حاسمة.
واجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوضع في المدينة بتلك الحكمة التي عرف بها،
فلم يدخل في معارك مع أعداته الظاهرين أو المستترين، بل أسرع وعقد
المعاهدة مع اليهود وشرط لهم وعليهم، وبين حقهم وواجبهم. وكانت تلك
المعاهدة مسكنا قويا هدأ أعصاب القوم، وكظم غيظهم ولو إلى حين،
وانتهى بتلك المعاهدة من مشكلة اليهود مؤقتا ليتفرغ للشؤون الداخلية
الملحة التي كانت تنتظر الحل مثل العداء بين الأوس والخزرج ومشكلة
الطبقات وما كان يعانيه الناس منها ومشكلة الرق وكيف يطيب نفوس الرقيق،
ويشعرهم بإنسانيتهم وحريتهم؟ والوضع الاقتصادي المتدهور على يد يهود
ومعاملاتهم الربوتة إلى غير ذلك.
وأما المنافقون فإنه أمر بحسن معاملتهم، حتى قال في عبد الله ابن
ابي: (بل نترفق به ونحسن معاملة ما بقي معنا) (3) ولما استأذن عمر- رضي
الله عنه - في قتل ذي الخويصرة لما ظهر نفاقه، لم يأذن له الرسول - صلى الله عليه وسلم - (4)
__________
(1) ابن هشام (184/ 3).
(2) نفسه (109/ 3).
(3) ابن هشام (184/ 3).
(4) نفسه (104/ 4).
71

الصفحة 71