ولكنه وكل معاملة هؤلاء المنافقين إلى أقوامهم يعاتبونهم ويعنفونهم عند
الخطأ، حتى كان أقوامهم هم الذين يدافعون عن المسلمين ويكفونهم شر
المنافقين، وكانت تلك سياسة حكيمة من رسول الله - -جي! - وضحها بعد ذلك
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد طلب من الرسول أن يقتل ابن أبي
فرفض النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما تولى قومه الأخذ على يده قال الرسول لعمر: (كيف
ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت أقتله، لأرعدت له أنف، لو أمرتها
اليوم بقتله لقتلته) عندئذ اعترف عمر بحسن سياسته وحكمته - مج! ير- وقال؟
قد والله علمت لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم بركة من أمرى (1).
وهكذا عالج الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأمر بحكمة نادرة دون أن يدخل في
مشاكل تعوق سير الدولة الناشئة، وتعرقل المشاريع الضخمة التي عزم القيام
بها.
الحلف والجوار:
كان الحليف في الجاهلية جارا بصفة داتمة، ويأخذ حكم أفراد القبيلة
إلا في حالة واحدة وهي الدية، فإنه يكون على النصف من دية الصريح (2).
وبالحلف يضمن الحليف حماية القبيلة التي حالفها، ونصرتها له ظالما
أو مظلوما، وتتحمل القبيلة معه ما يتحمله من الديات - وهو المعروف
بالعقل - وبالجملة عليه أن تنخلع من قبيلته السابقة، ويدخل في القبيلة التي
حالفها دخولا شاملا يتحمل فيه نصيبه من التبعات والمغانم.
والجار يدخل في جوار القبيلة فتمنعه مما تمنع منه نفسها ومالها
وولدها، وكان المجير تعلن جواره على الملأ حتى يعلم الناس بالجوار فلا
يخفره أحد، ويصبح بذلك الجار في حمى المجير، ويتجنب الناس الإساءة
إليه احتراما لذمة مجيره، حيث يصبح الاعتداء عليه اعتداء على المجير
__________
(1) ابن هشام (185/ 3).
(2) ابن الأثير (2/ 402 - 403).
72