وتفانيهم في خدمة هذه الدولة التي ستواجه العالم كله، وقد أدرك العباس بن
عبد المطلب - رضي الله عنه - هذه الحقيقة منذ اللحظة الأولى التي بايع فيها
الأنصار رسول الله - مج! ميم - عند العقبة حيث قال: (ان محمدا منا حيث قد
علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من
قومه، ومنعة في بلده، وأنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن
كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه، فاًنتم وما
تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به
إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز من قومه وبلده) (1).
وإذا كان العباس قد أشار إلى ذلك فإن أسعد بن زرارة قد صرح به
عند البيعة حيث قال: (رويدا يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكبا والمطي
إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل
خياركم، وأن تعضكم السيوف، فأما أنتم تصبرون على ذلك، فخذوه،
وأجركم على الله، وأما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه فهو أعذر لكم
عند الله) (2).
وأما العباس بن عيادة بن نضلة، فكان أصرح المتحدثين، وأفهمهم
لعمق البيعة، وأوعاهم لما سيترتب عليها عن عداوة الناس جميعاً، فقد قال:
(يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال:
إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا
أنهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الان، فهو والله إن
فعلتم خزي الدنيا والأخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه
على ما ذكرت لكم فهو والله خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على ما
قلت) (3).
إعلان الدولة إذن كان تحديا للكفر، ورفضا للباطل، ومجاهرة للعالم
__________
(1) ابن هشام (63/ 2).
(2) زاد المعاد (133/ 2).
(3) وفاء الوفا (1/ 230 - 231).
78