كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وبهذه الميزات كانت المدينة أنسب بلد لتكون عاصمة للإسلام،
وجامعة للمسلمين، والحق أنه لم يكن هناك تخطيط لذلك، وإنما هو اختيار
الله - عز وجل - حيث هيأ الأسباب التي ذكرتها في الفصل الأول من هذا
الباب، فكان انتقال الإسلام إلى المدينة، واتخاذها عاصمة للمسلمين.
وأصبحت المدينة بعد ذلك مصدر إشعاع ومنبع هداية، يخرج منها
الدعاة يعلمون الناس ويشدونهم وتنطلق منها الجيوش تدك حصون الظلم،
وتردع المعتدين، وتمهد الطريق لمن يريد الدخول في الإسلام، وقصد
الناس المدينة من كل فج ينهلون من معينها ويتطوعون في جيشها، واشرأبت
أعناق الناس في الداخل والخارج، يستطلعون أخبار المدينة، وينظرون ما
عسى أن تفاجئهم به من الأحداث؟.
الإسلام واليهود:
كان اليهود في المدينة يجتمعون في قباتل ثلاث كبيرة هي: بنو قينقاع،
وبنو النضير، وبنو قريظة، وكانت هناك بطون يهودتة صغيرة تعيش إلى جوار
هذه القبائل الكبيرة أو إلى جوار القباتل العربية، منهم بنو القصيص، وبنو
ناغصة وبنو هدل، وبنو عمرو وبنو تعلبة (1).
دخل الإسلام المدينة واليهود مقيمون فيها، ولكن شوكتهم كانت قد
ضعفت، واستولى العرب على مقاليد الأمور فيها، وكانت لهم الكلمة العليا،
ومع ضعفهم، وإذلال العرب لهم، لم يروعهم الإسلام بإخراجهم من
المدينة، وقد كان يستطيع، حيث اجتمعت الأوس والخزرج على الإسلام،
وضاعت الفرصة التي كانت تمكن لهم من البقاء في المدينة، وهم كانوا من
قبل قد هموا بتسليم دورهم وأموالهم تحت ضغط الخزرج وتهديدهم لهم،
وكان عمرو بن النعمان قد أرسل إليهم: إما أن تخلوا بيننا وبين دياركم
نسكنها أو نقتل رهنكم، فهموا أن يخرجوا من ديارهم (2) فإذا كانوا قد هموا
__________
(1) وفاءالوفا (163/ 1)
(2) مكة والمدينة ص: 334
81

الصفحة 81