كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

بترك ديارهم للخزرح وحدهم، فكيف وقد اجتمع الأوس والخزرح وانضم
لهم المسلمون من المهاجرين؟.
لا شك أن المسلمين كانوا قادرين على إخراج اليهود من المدينة،
ولكن الرسول سلك معهم أولا، سياسة المهادنة لأن الإسلام دخل عليهم
المدينة، فلم يخرجهم منها من غير جريرة ارتكبوها؟.
وعقد الرسول - صلى الله عليه وسلم - معهم المعاهدة التي ذكرها المؤرخون وأهل
السير منهم فيها، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط
عليهم (1).
وأصبح ليهود بموجب هذه المعاهدة حق الإقامة في المدينة، لا
يروعهم أحد، ولا يعتدي عليهم، حيث أصبحوا في حماية الدولة الإسلامية،
وفي جوارها ما داموا لم ينقضوا عهدا، ولم يخلوا بأمن الدولة ونظامها.
وعاش يهود في المدينة إلى جوار المسلمين فترة غير قصيرة، تقدر
بعشرين شهرا (2) تم بدأوا بالتمرد وإظهار العداوة للمسلمين، وكان أول من
بدأ ذلك منهم بنو قينقاع، مخالفين نصوص المعاهدة، ثم بنو النضير، وكان
اخرهم بنو قريظة.
من المهادنة إلى الجلاء:
انطوت نفوس اليهود على حقد دفين كانوا يكنونه للمسلمين، ولكنهم
لم يستطيعوا إظهاره لضعفهم، وقلة حيلتهم، وقد استطاعوا كبت ذلك الحقد
هذه الشهور، ولكن غلبتهم فطرتهم، فظهر حقدهم في صور من المؤامرات
الخبيثة دبروها للمسلمين، وكان في تدبير هذه المؤامرات نقض للعهد،
ومخالفة لنصوص الاتفاقية، تسبب عنه تحول سياسة المهادنة التي اتبعها
الرسول - صلى الله عليه وسلم - معهم إلى سياسة القمع والإجلاء.
__________
(1) ابن هشام (106/ 1).
(2) زاد المعاد (185/ 2).
82

الصفحة 82