كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وأمر - صلى الله عليه وسلم - مؤذنا، فأذن في الناس، من كان سامعا مطيعا، فلا يصلين
العصر إلا ببني قريظة، وتلاحق الناس حتى وصلوا منازل قريظة بعد العشاء
الآخرة، وضرب الرسول عليهم حصارا شديدا، خمسا وعشرين ليلة، حتى
جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، ونزلوا على حكم سعد ابن
معاذ -رضي الله عنه - فحكم بقتل الرجال، وتقسيم الأموال، وسبي الذراري
والنساء، عندئذ قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق
سبعة أرفعة - أي سبع سماوات -.
ثم نزلوا من حصونهم، فحبسهم الرسول في المدينة في دار امرأة من
بني النجار، ثم خرج إلى السوق، فخندق فيها خنادق ضرب أعناقهم فيها،
وفيهم حى بن أخطب، وكعب بن أسد.
وكان عدد القتلى منهم يتراوج بين السبعمائة والتسعماتة، ولم يقتل من
نساتهم إلا امرأة واحدة، وكانت قتلت رجلا من المسلمين بإلقاء الرحا عليه،
فقتلت به قصاصا (1).
تجمع يهودي لحرب المسلمين:
بعد استسلام بني قريظة ونزولهم على حكم سعد بن معاذ - رضي الله
عنه - خلت المدينة من اليهود، اللهم إلا ما كان من هؤلاء النسوة، والذراري
الأسرى، وما كان من بعض البطون الصغيرة التي كانت تعيش إلى جوار
العرب حلفاء وموالي لهم (2)، وكان اليهود الذين أخرجوا من المدينة قد
تجمعوا مع إخوانهم في خيبر وفدك وتيماء ووادي القرى.
وقد هال هؤلاء اليهود خلو المدينة منهم بعد أن عمروها فترة تزيد على
الخمسمائة عام وتحرك الحقد الدفين في نفوسهم، وحمل لواء الغدر هذه
المرة أهل فدك، فأرسلوا رسولا منهم إلى من بخيبر من اليهود يغرونهم
بحرب المسلمين، ويعلنون لهم أنهم مستعدون لمعونتهم ونصرتهم، على أن
__________
(1) ابن هشام (141/ 3 - 147).
(2) تاريخ الإسلام (135/ 1).
86

الصفحة 86