كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

لا أعتقد أن مؤرخا منصفا بعد أن تتأكد لديه تلك الحقائق، يستطيع أن
يعيب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو على أحد من المسلمين ذلك الصنيع الذي
صنعوه مع بني قريظة، لقد أمنهم الرسول على أموالهم، وأقرهم على دينهم
كما نصت المعاهدة، ومع ذلك أظهروا العداء، ومن عليهم رسول الله، ولم
يقابلوا هذا الصنيع بالمعروف، ولكنهم أساءوا ونقضوا العهد، وانضموا إلى
الأحزاب المحاصرة للمدينة، فماذا يستحق هؤلاء سوى القتل والسبي؟؟.
إن أقل ما يجب أن يعامل به أولئك الذين غدروا ولم يفوا، وحاربوا من
هادنهم، وهددوا البلد الذى آواهم، وأعانوا عليه أعداءه أن يمحى كل أثر
لهم لتختفي معه جريمتهم، وأن الدول المتحضرة التي تعيش في عصور
العلم والنور، وتتشدق بحرية الإنسان واحترام حقوقه، قد ارتكبت ما هو أبشع
من ذلك مع أناس ليس لهم جريمة إلا أنهم خالفوهم في المبادىء التي
يدينون بها أو طالبوا بحريتهم المسلوبة.
فمعسكرات الإبادة في سيبيريا، والقتل الجماعي في الجزائر والشرق
الأوسط، وإزالة بلاد بأكملها في المجر، وتهديد شعب تشيكوسلوفاكيا
بالسحق والتدمير، كل ذلك يحدث على أيدي دول متحضرة وعلى مرأى
ومسمع من دول متحضرة وفي هذا الزمان الذي يسمونه عصر الذرة والتقدم
العلمي، ثم يتهم هؤلاء أنفسهم المسلمين بأنهم ارتكبوا جريمة في حق
اليهود منذ أربعة عشر قرنا، لأنهم قتلوهم بعد ما ثبتت عليهم تهمة الخيانة
العظمى ضد الدولة.
إن جريمة الخيانة العظمى من أقبح الجرائم وأبشعها- وهي خيانة فرد
أو أفراد من الأمة لأمتهم وبلدهم - كأن يدلوا عدوه على عورته أو يعطوهم
معلومات عن أسراره، وأفظع من ذلك كله أن يساعدوهم على تدميره
واحتلاله، ولبشاعة الجريمة وخطورتها حددت لها القوانين الوضعية عقوبة
القتل حتى الموت، وذلك مطبق فعلا في الدول الحديثة المتحضرة في ذلك
العصر. فلماذا تعيبون على الإسلام تطبيق هذه العقوبة على قوم ارتكبوا تلك
الجريمة، وجاهروا بها؟؟.
89

الصفحة 89