كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

تأسيس الدولة الإسلامية
1 - الهجرة:
أمعن أهل مكة في اضطهاد المؤمنين وزادوا في تعذيبهم، وسدوا
عليهم المسالك، فلم يعد أمامهم سبيل إلى النجاة إلا ترك بلادهم وأموالهم،
وعزم المسلمون المعذبون على أن يشتروا عقيدتهم بما يملكون من متاع
الدنيا، وأن يضحوا في سبيلها بكل شيء، ولو كان ذلك الشيء هو الوطن
الغالي على نفوس الناس، ذلك لأن الأرض والناس الذين يعيشون عليها لم
تعد هي وطن المؤمن وأهله، فقد وضع الإسلام معالم جديدة للوطن
والأهل، وتركزت المفاهيم الجديدة في قلوب المؤمنين.
إن وطن المؤمن هو العقيدة التي يؤمن بها، و إن أهل المؤمن و إخوانه
هم أولئك الذين يعتنقون تلك العقيدة ويشاركونه سراءه وضراءه، إن عقيدة
المؤمن أعز عليه من الأرض والأهل، وما الأرض؟ إنه يستطيع أن يجدها في
كل مكان يحل فيه، ولكنه لا يستطيع أن يجد عوضا عن عقيدته إذا فقدها.
وما الأهل؟ إنه سيجد في إخوانه المسلمين عوضا عما فارق من الأهل، ولكن
ما الذي يعوضه عن عقيدته إذا هو تركها؟.
من أجل هذا ضحى المسلمون بالوطن والأهل والمال والولد فرارا
بدينهم وعقيدتهم، ولكن إلى أين يتجهون؟ لقد ذهبوا إلى الحبشة، فوجدوا
فيها أمنا وسلاما، ولكنهم لم يجدوا فيها تربة صالحة تحتضن تلك البذرة
حتى تنمو، وليست الغاية من الهجرة الخلود إلى الراحة، واقتناص فرص

الصفحة 9